استضافت نيودلهي الأسبوع الماضي القمة الهندية الأفريقية بهدف توسيع روابطها السياسية والاقتصادية مع دول أفريقية من مصر وتونس والمغرب إلى جنوب أفريقيا. وعلى الرغم من أن هذه كانت القمة الثالثة بين القارتين، إلا إنها يمكن أن توصف بأنها الأولى في نواحٍ كثيرة. فلأول مرة قامت الهند بدعوة 54 من رؤساء الدول الأفريقية بالإضافة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة كضيف شرف. وتسعى الهند إلى تعزيز مشاركتها في جميع أنحاء العالم فيما تبتعد عن جذورها في حركة عدم الانحياز. ومن جانبه، تعهد رئيس وزراء الهند "ناريندرا مودي" بتقديم ائتمانات جديدة بقيمة 10 مليارات دولار، علاوة على منحة أخرى بقيمة 600 مليون دولار لمساعدة دول أفريقية، ومحاولات أخرى لنشر نفوذها في هذه القارة، تتضمن الأمن البحري وسبل تعزيز التجارة والتنمية والطاقة وإصلاحات مجلس الأمن الدولي والتغير المناخي. وقد حثت الهند قادة الدول الأفريقية على الانضمام إلى تحالف في مؤتمر المناخ الذي سيعقد الشهر القادم في باريس، حيث يلتقي المجتمع الدولي في محاولة للتوصل لاتفاق يخلف بروتوكول كيوتو للمناخ. وفي الماضي، أخذت نيودلهي زمام المبادرة لتمثيل مصالح الدول النامية، بينما كانت تحاول ضم هذه الدول في تحالف. وفي الوقت ذاته، قادت الهند الجهود الجارية للتوصل إلى تغيير في مجلس الأمن ليعكس بشكل أفضل الحقائق الجيوسياسية في الفترة الحالية، وجعل الهند عضوا دائماً. ومع وضع هذا الهدف في الاعتبار، عقد "مودي" اجتماعات ماراثونية مع الزعماء الأفارقة، حيث سعى وفريقه لكسب التأييد لترشح الهند. وليس من شك أن القمة سمحت للهند بدفع علاقات التعاون بين أسرع منطقتين نمواً في العالم. الهند لديها روابط تاريخية بأفريقيا، حيث كان يعمل الزعيم الهندي العظيم غاندي كمحامٍ قبل العودة إلى الهند لمحاربة الحكم البريطاني. ومنذ ذلك الحين، ركزت الهند على القوة الناعمة في أفريقيا، فأطلقت برامج التدريب، وقدمت منحاً دراسية، وطرحت مبادرات لتكنولوجيا المعلومات لربط دول الاتحاد الأفريقي بالهند عبر شبكة الأقمار الاصطناعية والألياف الضوئية. وفي عام 2008، أطلق رئيس وزراء الهند السابق "مانموهان سينج" الاجتماع الأول على مستوى القمة، غير أن الهند تخلفت وراء الصين التي دفعت الاستثمارات في مشروعات رئيسة للبنية التحتية مثل بناء السكك الحديدية والطرق السريعة ووسائل النقل العام والمطارات، ما أدى إلى حدوث زيادة مطردة في العلاقات الاقتصادية. وبلغ حجم التجارة الثنائية بين بكين وأفريقيا 200 مليار دولار، مقابل 70 مليار دولار بين الهند وأفريقيا. وقد ساعدت القمة على تعزيز العلاقات الثنائية بين الهند والدول الأفريقية كل على حدة، خاصة مع مصر والمغرب وتونس. وأجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مباحثات ثنائية شاملة مع نظيره الهندي من أجل مشاركة ثقافية واقتصادية أعمق بين البلدين. وتعد الهند هي سادس أكبر شريك تجاري لمصر، وتنظر الهند لمصر كقوة رئيسة في الشرق الأوسط وجسراً بين آسيا وأفريقيا. ومن ناحية أخرى، تحاول الهند الدفع من أجل تعاون وثيق مع المغرب التي مثلها الملك محمد السادس على رأس كبار مسؤولي الحكومة وقادة الأعمال. والهند والمغرب تربطهما علاقات حضارية، حيث يصدر رجال الأعمال الهنود التوابل الهندية الشهيرة إلى المغرب منذ مئات السنين. أما الوفد التونسي فقد ترأسه وزير الخارجية الطيب البكوش الذي عقد مباحثات مثمرة مع القادة الهنود، وكذلك مع المجتمع الفكري والأكاديمي للاستفادة من التجربة الهندية لنظام الحكم الديمقراطي. منذ أن تولي منصبه، كثف رئيس الوزراء "مودي" من مشاركة الهند مع البلدان في جميع أنحاء العالم. لكنه لم يقم حتى الآن بزيارة البر الأفريقي، لذا فإن القمة تمثل أول تواصل له مع أفريقيا. وعلى الرغم من نجاح القمة، فإن الكثير سيعتمد على كيفية المضي قدماً، وينبغي على الهند التركيز على مجالات التعاون مع أفريقيا لضمان تنفيذ الخطط في الوقت المناسب. ومن الواضح أن الهند لا يمكنها أن تأمل في منافسة الصين من حيث حجم التجارة مع أفريقيا، والتي بلغت 200 مليار دولار. بيد أنه من الواضح أن هناك فرصة أمام الهند لأن تباطؤ الاقتصاد الصيني كان له تأثير على النمو الأفريقي كذلك. فقد كانت أفريقيا تعتمد بشكل متزايد على الصين في شراء مواردها الطبيعية وتعزيز بنيتها التحتية، لكن الاستثمار الصيني في أفريقيا انخفض بنسبة 84% بسبب هذا التباطؤ. كما أن الهند لديها ميزة إضافية. فعلى عكس الصين التي تتمتع بسمعة في أخذ مواطنيها إلى أفريقيا وملاحقة مواردها الطبيعية، نجد أن وجود الهند أكثر اعتدالاً ويقتصر على المشروعات الصغيرة التي تساهم في تشجيع العمالة المحلية، وجعل حياة الشعوب الأفريقية أكثر ازدهاراً. مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي