الآن وقد ألغت الصين قانون أو قاعدة «الطفل الواحد» سيئة السمعة، فقد حان الوقت كي نتخلى عن مخاوف «القنبلة السكانية». فقد نشأت قاعدة «الطفل الواحد» من الفزع السكاني في القرن العشرين عندما كانت أعداد البشر تنمو بمعدل بالغ السرعة. وتسببت الزيادة في كثير من الضرر البيئي والنقص في الموارد والمعاناة البشرية الهائلة. وفي عام 1968، على سبيل المثال، اشتهر عالم البيولوجيا «بول إهرليش» بإعلانه أن «المعركة لإطعام كل البشرية قد انتهت» وخسرها البشر! وحذر من أن مئات الملايين سيموتون جوعاً في العقد التالي، وأوصى بفرض «حجر» على برامج المساعدات الأجنبية. ولا شك أن أسوأ توقعات «إهرليش» لم تتحقق، ويرجع هذا في جانب منه إلى الثورة الخضراء وتحسين وسائل تنظيم الأسرة. ولكن الفزع من الانفجار السكاني ظل قائماً على كل حال. وإلى جانب قاعدة الصين لـ «الطفل الواحد»، طُبقت أيضاً حملات واسعة للتعقيم في الهند أثناء حكم أنديرا غاندي، وفي بيرو أثناء حكم فوجيموري. وعلى رغم أن القنبلة السكانية تم نزع فتيلها، إلا أن زيادة النسل لم تتراجع كثيراً أيضاً. وظلت أرقام البشر تتزايد بأكثر من 80 مليوناً كل عام. وعدد سكان العالم يبلغ حالياً 7,3 مليار نسمة. وتشير بيانات للأمم المتحدة إلى أنه بحلول نهاية القرن الحالي سيبلغ عدد سكان العالم ما بين تسعة مليارات و13 ملياراً. فماذا يعني هذا بالنسبة للبشر والكوكب؟ وحالياً لدينا فهم أفضل بكثير لآليات نمو السكان تقيدها حزمة واسعة من العوامل مثل أنماط الاستهلاك والتكنولوجيا وتوزيع الثروة. ومن الصعب تعميم تأثير البيئة على نمو السكان، لأن تأثير النشاط البشري على البيئة أكبر من العوامل الأخرى. فالأميركي في المتوسط يتسبب في انبعاث 17 طناً من ثاني أكسيد الكربون المسبب لتغير المناخ كل عام، بينما معظم الأفارقة جنوب الصحراء الكبرى ينتج الواحد منهم أقل من طن. ولذا، فإن النمو البطيء نسبياً للسكان في الولايات المتحدة يشارك في تغير المناخ بأكثر مما يفعل النمو السريع في أفريقيا. ولكل إنسان حق أصيل في الحصول على الطعام والماء والمأوى والحياة الكريمة. ولنأخذ الماء كمثال. فعلى رغم عدم وجود عجز عالمي في الماء، هناك عدد كبير من المناطق تفتقر إلى الماء بشكل مزمن. وفي هذه المناطق، تتزايد أعداد السكان بأسرع إيقاع. وعدد السكان في الدول الفقيرة قد يصل إلى المثلين بحلول عام 2050. وفي هذه البلدان قد يقلص بطء نمو السكان الطلب ويتيح مساحة من الوقت للتوصل إلى حلول طويلة الأمد. وبفضل تنظيم الأسرة، تقلصت معدلات الخصوبة في كل مكان تقريباً، ولكنها ظلت مرتفعة في الدول الأقل نمواً. ونتيجة لهذا، يبلغ عدد سكان هذه الدول حالياً نحو مليار، وسيتضاعف بحلول منتصف القرن، وسيصل إلى ثلاثة أمثاله بنهاية القرن، ما يزيد عقبات التنمية التي يتعين تجاوزها. والنمو البطيء للسكان ليس بالضرورة ترياقاً للتحديات في القرن الحادي والعشرين. فلن يقلص وحده درجة حرارة الكوكب ولن يحل أزمة المياه أو يقضي على الفقر. لكنه قد يعطي للأسر والأمم فرصة للقيام باستثمارات أساسية في التعليم والرعاية الصحية والتنمية الاقتصادية المستدامة. وقد يقلص الضغط على الأنظمة الطبيعية التي تترنح. والجيد هو أننا نعرف كيف نفعل هذا دون قسر أو إساءة معاملة. فبعد نصف قرن من الخبرة تبين أن أفضل طريقة لإبطاء نمو السكان ليس تقييد حجم الأسرة، بل التأكد من إتاحة خيارات حقيقية للجميع بشأن إنجاب أو عدم إنجاب الأطفال. وهذا يعني إمكانية تطبيق تنظيم الأسرة طوعاً والحصول على خدمات ومعلومات الإنجاب الأخرى. ويعني توفير فرص عمل وتعليم، خاصة للنساء. ويعني كذلك معالجة مشكلات المساواة العميقة على أساس الجنس أو الوضع الاقتصادي. وعناصر هذا النهج نجحت في بعض دول العالم. وتشير بيانات للأمم المتحدة إلى أن نحو 225 مليون امرأة تقريباً اليوم في الدول النامية يردن إرجاء أو منع الإنجاب، ولكنهن يفتقرن إلى وسائل منع الحمل. وهناك أكثر من 60 مليون فتاة خارج المدرسة. ولم تحقق النساء المساواة الاقتصادية والسياسية مع الرجال إلا في عدد قليل للغاية من الدول. ومعالجة هذه التحديات مهمة للغاية للتحكم في النمو السكاني باعتبارها مسألة حقوق إنسان وعدالة اجتماعية. ففي القرن العشرين، أدى الفزع من نمو السكان إلى سياسات انتهكت حقوق الإنسان. واليوم من الممكن أن يؤدي الفهم الأفضل إلى سياسة أفضل. وبتوسيع خيارات الفرد وحماية حقوق الإنسان، نستطيع خلق مستقبل أكثر استدامة وعدلاً. ـ ـ ـ ــ ـ ـ ــ ـ لوري مازور -------------- مستشارة السكان والبيئة في مركز ويلسون لبرنامج التغير البيئي والأمن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»