من المهم أن نقرأ الرسالة التي نشرتها صحيفة «الجارديان» البريطانية بخصوص قرار مقاطعة 334 أستاذاً جامعياً بريطانياً للجامعات الإسرائيلية والمؤتمرات التي تنظمها، فهؤلاء الباحثون الذين ينتمون إلى أكثر من سبعين جامعة في المملكة المتحدة لم يترددوا لحظة واحدة في مقاطعة الكيان الصهيوني، بعد أن عرفوا حقيقته وشاهدوا ممارساته النازية في الوقت الذي يحاول بعض العرب التعامل معه سراً أو علناً رغم معرفتهم بما يفعله بفلسطين وشعبها ومؤسساتها الدينية الإسلامية. لقد بيَّنت رسالة المقاطعة ثلاث حقائق مهمة: الأولى: اعتراف هؤلاء الأكاديميين بأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية هو احتلال غير مشروع. الثانية: أن ما يقوم به الكيان الصهيوني من انتهاكات تفوق الوصف ضد الشعب الفلسطيني، يمثل مخالفة لأبسط مبادئ حقوق الإنسان. الثالثة: أن إسرائيل هي من يعمل على تخريب محاولات التسوية السلمية لهذا الصراع الدائر منذ أكثر من 60 سنة، ويقف ضد أي مبادرة تهدف إلى إحلال السلام بين الطرفين وإعطاء أصحاب الأرض حقهم الطبيعي في العيش على أرضهم في أمن واستقرار وفقاً لما تنص عليه كل القوانين الدولية. ووفق تلك الحقائق فقد حدد قرار المقاطعة الصورة الحقيقية للحالة التي وصلت إليها القضية الفلسطينية في ظل الاحتلال الصهيوني النازي، وبينت للعالم صورة الوجه الاستعماري القبيح الذي يمثله الكيان الصهيوني المحتل، خاصة أن قرار المقاطعة المذكور جاء متزامناً مع التطورات المتسارعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي فجّرها شباب فلسطينيون من مواليد ما بعد «اتفاق أوسلو»، وعلى الأخص في القدس الشريف والمسجد الأقصى، وهي التطورات المعروفة إعلامياً بـ«ثورة السكاكين»، والتي يسارع الكيان الصهيوني إلى مقاومتها والعمل على وأدها، بالتوازي مع جهوده لتغيير الوضع الراهن في الحرم القدسي تمهيداً لهدم المسجد الأقصى وقبة الصخرة من أجل إقامة «الهيكل» المزعوم. وترتكب إسرائيل خطأ كبيراً إذ تتصور أنها بهذا الأسلوب، وهذه السياسة العنصرية سوف تستطيع إخضاع الشعب الفلسطيني، وقد أثبت أن لديه الاستعداد للموت في سبيل قضيته وتحرير بلاده ومقدساته من دنس الاحتلال. إنها بذلك كمن يلعب بالنار أو كمن «يجلس على برميل من البارود المتفجر»، كما يقول الجنرال الإسرائيلي غولدشتاين، وهذا البرميل الذي تخافه إسرائيل قد انفجر مع هؤلاء الشباب الغاضبين عبر «ثورة السكاكين» التي تشاهدها اليوم، والتي جعلت الكاتب الإسرائيلي «روغل الفر» يعترف في مقاله «اعتذار للقاتل» (هآرتس 18-10-2015) بأحقية الشعب الفلسطيني في الثورة ضد الاحتلال الصهيوني، خاصة عندما قال: «في حال مت في عملية في موجة (العنف) الحالية حيث يقوم الفلسطينيين بدهسي أو طعني، أريد أن أقول مسبقاً كلماتي الأخيرة، وهي أني متفاجئ لأن هذا لم يحدث من قبل بجدية، فلماذا تطلب الأمر كل هذا الوقت؟ لقد فكرت مرات كثيرة عندما كنت أمر في ساعات الصباح الباكر بشوارع المدينة من أمام مواقع البناء، وكيف أن أحد العمال العرب لا يحمل المنشار أو الشاكوش ليقتلني!». وصدق صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية عندما قال: «إن من يرغب بتطهير المنطقة من تنظيم داعش والتطرف عليه أولاً تجفيف المنطقة العربية من ممارسات الاحتلال الإسرائيلي»، وهي ممارسات تفاقمت كثيراً في مرحلة ما بعد أسلو.