فيما يلي سيناريو كان يبدو غير مرجح إلى حد كبير منذ أسابيع قليلة فقط، وباتت لديه الآن فرصة تحقق بنسبة 50 في المئة تقريباً، على ضوء الزلزال السياسي الذي يهز الأرجنتين، والبرازيل، وفنزويلا حالياً، ويمكن أن يؤشر على نهاية حقبة سياسية يسارية شعبوية، استمرت لما يقرب من 15 عاماً في أميركا اللاتينية. وهذا السيناريو يمكن أن يتبلور على النحو التالي: أن يتمكن زعيم المعارضة الأرجنتنية موريسيو ماكري (يمين الوسط)، معززاً بأدائه الانتخابي القوي، وغير المتوقع، في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، التي جرت في بلاده في 25 من أكتوبر المنصرم، من الفوز في انتخابات الإعادة التي ستجري في 22 من الشهر الجاري، ما يؤدي لانهمار الاستثمارات الأجنبية على بلاده، وتحفيز آمال تحقيق تعافٍ دراماتيكي في اقتصادها، الذي يعاني من التراجع منذ عدة سنوات. ويشار في هذا السياق إلى أن «ماكري»، وهو منتقد صريح للأنظمة السلطوية الشعبوية، كان قد أدلى بتصريح قال فيه إنه إذا ما انتُخب، فسيطالب فنزويلا بالالتزام بتعهداتها الإقليمية بالحكم الديمقراطي. وهناك نسخة أقل حدة من هذا السيناريو يمكن أن تحدث في حالة فوز «دانييل سيكولي» المرشح المدعوم من قبل الحكومة، وهو سياسي أكثر اعتدالاً من الرئيسة المغادرة كريستينا فيرنانديز دي كيرشنر، ولن يكون قريباً مثلها، من فنزويلا. وفي الوقت نفسه، هناك سيناريو آخر يمكن أن يقوم فيه المحققون في البرازيل بالربط بين الرئيسة المحاصرة بالمشكلات «ديلما روسيف» التي تدنت شعبيتها لما يقرب من 9 في المئة فقط، وبين فضيحة الفساد لشركة «بتروجاز» النفطية، وقد يقرر الكونجرس بناء على ذلك محاكمتها، ما يدفع بالبلاد إلى سلسلة من التداعيات الدستورية، أو انتخابات رئاسية مبكرة، تؤدي في مجملها إلى إجبار البرازيل على تبني سياسات اقتصادية أكثر صداقة للسوق، والنأى بنفسها أكثر عن فنزويلا، وغيرها من حلفائها اليساريين. وهناك نسخة أقل دراماتيكية من هذا السيناريو يمكن أن تتحقق، إذا ما قررت «روسيف» مواجهة العاصفة، وتشكيل حكومة «وحدة وطنية» مع أحزاب المعارضة، من أجل البقاء في منصبها حتى نهاية فترة ولايتها في الحكم. وكل هذه التغييرات الرئيسية المحتملة في الخريطة السياسية لأميركا اللاتينية، سيكون لها حتماً تأثير كبير على انتخابات فنزويلا التشريعة الرئيسية، التي ستُجرى في 6 ديسمبر المقبل، ويمكن أن تحرم هذه التغييرات الرئيس الفنزويلي «نيكولاس مادورو» من دعم واحدة من أكبر دول المنطقة. ومع انكماش اقتصادي في فنزويلا بمعدل 8 في المئة هذا العام، ووصول معدل التضخم إلى 200 في المئة- الأعلى في العالم- وحالات نقص الغذاء واسعة الانتشار، فإن الأمر المؤكد تقريباً هو أن يخسر حزب «مادورو» أي انتخابات قد تقام، بحسب مراكز استطلاعات الرأي. فـ«مادورو»، الذي رفض السماح لمراقبي الانتخابات من الاتحاد الأوروبي، أو منظمة الدول الأميركية، بالإشراف على انتخابات بلاده، يمكن أن يدعو لقمة عاجلة لرؤساء اتحاد أمم أميركا الجنوبية UNASUR وهو اتحاد أميركي جنوبي يتخذ من الإكوادور مقراً له، وقد دأب في غالبية الأحيان على دعمه لإضفاء شرعية على أي انتخابات قد يجريها، عشية تلك الانتخابات نفسها. بيد أن الاحتمال الأكثر ترجيحاً، هو أن يعمد أعضاء الاتحاد المعتدلون مثل تشيلي وكولومبيا، إلى تحديد موعد الاجتماع العاجل الذي يمكن أن يدعو إليه «مادورو»، بحيث يتم بعد 10 ديسمبر المقبل، بعد أن تكون الرئيسة الأرجنتنية المغادرة قد أصبحت خارج الصورة تماماً. فبدون دعم غير مشروط من قبل الأرجنتين، ومن قبل البرازيل المتشككة- التي أعلنت محكمتها الانتخابية بالفعل أنها لن ترسل مراقبين انتخابيين لفنزويلا بسبب مخاوف تتعلق بالعملية الانتخابية- فإن الحكومة الفنزويلية، ستجد نفسها مضطرة للاعتماد على دعم الحلفاء الأصغر مثل بوليفيا، والإكوادور، ونيكاراجوا. وكان «ديجو آر. جيلار»، رئيس مكتب العلاقات الخارجية بحزب «ماكري» قد أخبرني بأن إدارة «ماكري» لن تقدم على إضفاء الشرعية على أي انتخابات تجرى في فنزويلا بطريقة غير ملائمة، كما أنها ستسعى فضلاً على ذلك للاشتراك مع البرازيل في توقيع اتفاق تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي، ومع تحالف الباسيفيكي، وهو تكتل اقتصادي يتكون من المكسيك، وكولومبيا، وبيرو وتشيلي. ورأيي الخاص في كل ذلك: أن فوز المعارضة في انتخابات الإعادة الأرجنتنية، سيغير الخريطة السياسية في أميركا الجنوبية، وينهي 15 عاماً من حكم الحكومات اليسارية الشعبوية، التي أوصلت بلادها إلى هاوية الإفلاس. بيد أنني لست راغباً مع ذلك في الرهان على أن هذا السيناريو الإقليمي سيتحقق، وإن كانت هناك فرص قوية لإمكانية تحققه. أندريس أوبنهايمر كاتب أرجنتيني متخصص في شؤون أميركا اللاتينية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تربيون نيوز سيرفس»