ألقى وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن خطاباً جيداً في برلين يوم الثلاثاء الماضي، ماضياً أكثر مما فعلت بريطانيا في أي وقت سابق حتى الآن في توضيح نوع وطبيعة إصلاحات الاتحاد الأوروبي التي تريدها حتى تبقى ضمن الاتحاد. وقد كان خطاباً جيداً لأنه أُخرج بشكل جيد وأُعد بشكل جيد أيضاً. وقد اختار أوزبورن ألمانيا لإلقاء خطابه لأنها البلد الأهم في القرارات الأوروبية، والبلد الذي قد يواجه أكبر خطر في حال غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي بعد استفتاء يجب إجراؤه بنهاية 2017. وحتى تنجح، ينبغي على بريطانيا أن تتعاون مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. ومثلما أشار إلى ذلك أوزبورن في خطابه، فإن بريطانيا وألمانيا هما أكبر شريكين تجاريين لبعضهما بعضاً في الاتحاد. غير أن ما لم يقله هو أن هذه التجارة تميل بشكل كبير لصالح ألمانيا. ففي شهر أغسطس، مثلاً، صدّرت ألمانيا إلى بريطانيا ما قيمه 4,5 مليار جنيه إسترليني من السلع بينما استوردت منها 2,2 مليار جنيه إسترليني فقط. وإذا لم يكن أحد يعتقد أن هذه التجارة ستتوقف في حال انسحبت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن ثمة مخاطر بالنسبة للتجارة والاستثمار إذا حدث ذلك. وقد أشار أوزبورن أيضاً إلى أنه منذ الأزمة المالية، تمكنت بريطانيا من خلق وزيادة الوظائف بسرعة أكبر بكثير من شركاء ألمانيا التجاريين الآخرين في الاتحاد الأوروبي، وذلك لأن كلاً منهما بذلت جهوداً أكبر لتحرير سوق العمل في بلديهما. والواقع أن بريطانيا وألمانيا تتفقان حول أشياء كثيرة في أوروبا: على حاجة اقتصادات الاتحاد لأن تصبح أكثر تنافسية، وعلى ضرورة أن تكون ثمة سوق مشتركة للخدمات وللسلع، وعلى أن استثمار ما يقارب 40 في المئة من ميزانية الاتحاد الأوروبي في الزراعة أمر يجانب الصواب. وقد اعترفت ميركل بذلك أمام الجمهور نفسه المكون من رجال الأعمال ومديري الشركات الألمان يوم الثلاثاء. وربما يكون الأهم من ذلك أنه لا أحد أكثر إدراكاً من ألمانيا للمخاطر التي سيطرحها انسحاب بريطاني من الاتحاد بالنسبة للنسيج السياسي للاتحاد الأوروبي. وخطاب أوزبورن كان جيداً أيضاً لأنه سعى إلى أن يُظهر أنه -ومن خلاله بريطانيا- يفهم أوروبا ويحس بها، حيث تحدث، على سبيل المثال، قائلاً إن «قارتي» كانت مقسّمة بجدار برلين، وكذلك عن أصله المجري. وهذه اللغة مهمة لأن ثمة ارتياباً كبيراً بين الألمان (وغيرهم) تجاه بريطانيا، وشعوراً بأنها معادية لأوروبا بكل بساطة. إن الشيء الذي تعارضه بريطانيا، يقول أوزبورن، هو أنها لم تعد ترغب في أن تبقى جزءاً من مشروع «الاتحاد الذي يزداد قرباً»، الذي تنص عليه اتفاقيات الاتحاد الأوروبي. ولكنه كان خطاباً جيداً، أيضاً، لأن جوهر ما اقترحه أوزبورن صحيح بالطبع: أن الإطار القانوني للاتحاد الأوروبي بحاجة إلى التغيير من أجل الاعتراف بأن أوروبا ذات سرعتين باتت واقعاً موجوداً منذ بعض الوقت. فالجزء السريع يضم الأعضاء الـ19 لمنطقة اليورو، التي تحتاج مزيداً من الإدماج. أما الجزء البطيء، فيضم الأعضاء التسعة الآخرين في الاتحاد الأوروبي. والصفقة التي اقترحها أوزبورن هي أن تحصل ألمانيا وأعضاء آخرون في منطقة اليورو، على بيئة قانونية أفضل، خالية من تدخل دول مثل بريطانيا، من أجل اعتماد ما يلزم لإنشاء عملة مشتركة سليمة. وفي المقابل، تحصل بريطانيا واقتصادات أخرى لا تنتمي لمنطقة اليورو على ضمانات تستند إلى الاتفاقية على أن وضعها الهامشي لن يؤدي إلى التمييز ضدها. ومما لا شك فيه أن بريطانيا كانت في أحيان كثيرة خرقاء ومعرقلة لبلدان تؤمن إيماناً قوياً بمشروع الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا. غير أن ذلك كان في زمن مختلف. ولابد من أن يكون المرء قصير النظر حتى يعتقد أن الاتحاد الأوروبي يستطيع اليوم مواصلة فكرة «الاتحاد الذي يزداد قرباً»، مثلما كان. خطاب أوزبورن كان أيضاً غامضاً وفضفاضاً، ما شكّل مصدر إحباط لشركاء بريطانيا. غير أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون من المرتقب أن يبعث برسالة تحدد المطالب البريطانية لرئيس المجلس الأوروبي «دونالد تاسك» هذا الشهر. ولئن كان زعماء بريطانيا خائفين، على نحو يمكن تفهمه، من الكشف عن أوراقهم مبكراً، فقد فعلوا الآن ما في وسعهم لإقناع ألمانيا بالوقوف في صفهم. ولا شك في أنهم كلما أسرعوا في تقديم تفاصيل كافية للشروع في المفاوضات، كلما كان ذلك أفضل. مارك تشامبيون محرر الشؤون الدولية في «بلومبيرج فيو» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»