لقد آن الأوان للكف عن تكرار اللازمة التي تقول إن الرئيس أوباما لا يملك استراتيجية لسوريا. فثمة استراتيجية أميركية، وكانت ثمة دائماً استراتيجية أميركية. فمن 2011، كانت الاستراتيجية تقضي بإنهاء نظام الرئيس السوري بشار الأسد من خلال الوسائل الدبلوماسية وليس الوسائل العسكرية. ومنذ 2012، تقوم استراتيجية أوباما على استعمال القوة لإضعاف تنظيم «داعش» والقضاء عليه. العنصر الأساسي في الاستراتيجية الدبلوماسية لإنهاء حكم الأسد، والذي كرر في بيان فيينا يوم الجمعة، يقول: «إن هذه العملية السياسية سيقودها السوريون وسيملكها السوريون، والشعب السوري هو من سيختار مستقبل سوريا». ووفق استراتيجية أوباما، فإن إنهاء تنظيم «داعش» لا يقوم فقط على تمكين القوات السورية المحلية من محاربة مقاتلي التنظيم، ولكن أيضاً على السيطرة على المناطق التي يتم تحريرها إلى أن تستلم حكومة مركزية جديدة في دمشق مقاليد الحكم. غير أنه بالنظر لتاريخ سوريا، فإن أي بلد خارجي، وخاصة الولايات المتحدة، لا يستطيع إنهاء حرب أهلية يقاتل ويسعى فيها كل هذا العدد من القبائل والإثنيات والأديان المختلفة لتصفية حسابات قديمة. ومما يزيد الطين بلة قيام بلدان المنطقة بتزويد الفصائل السورية المتناحرة بالدعم المالي والعسكري. والأكيد أنه ليس ثمة حل سريع لمشاكل سوريا، فالحل يمكن أن يستغرق، وسيستغرق على الأرجح، سنوات عديدة تمتد إلى ما بعد نهاية ولاية إدارة أوباما، غير أن الجانب الدبلوماسي لديه على الأقل عائقان. الأول عائق أساسي: من سيمثل المعارضة السورية حينما يعقد اجتماع مقرر تحت رعاية الأمم المتحدة بهدف تشكيل حكومة مؤقتة في دمشق ووضع دستور وتنظيم انتخابات؟ المبعوث الخاص الأممي لسوريا «ستيفان دي ميستورا»، قال في مؤتمر صحافي في فيينا، بعد اجتماع القوى الكبرى، إنه يتعامل مع نحو 230 كياناً ومجموعة سورية، إضافة إلى الحكومة. وعلى سبيل المقارنة، فإن المعارضة كانت ممثلة، في آخر اجتماع مماثل في 2014 في فيينا، بالأساس بـ«ائتلاف المعارضة السوري»، أما اليوم فلم يعد ثمة وجود لمثل هذه المجموعة الموحدة. وهناك أيضاً الخلاف الكبير بين الولايات المتحدة وروسيا حول مَن مِن خصوم الأسد يعتبر تنظيماً إرهابياً، لأن الرئيس السوري يصفهم جميعاً بالإرهابيين. والواقع أن ما تغير الأسبوع الماضي ليس هو استراتيجية أوباما السورية، وإنما بعض التكتيكات الأميركية، لأنها لم تكن ناجحة. وفي هذا الصدد، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، جون كربي، وهو أميرال متقاعد عمل من قبل متحدثاً باسم وزارة الدفاع: «إذا لم تقم بتكييف الطريقة التي تنفذ بها استراتيجيتك.. فعليك أن تعد نفسك للفشل». وفي هذه الحالة، يقول كربي، فإن إنشاء قوات سورية محلية قوية في المخيمات خارج سوريا كان أصعب مما كان متوقعاً. وقال مسؤول رفيع من وزارة الدفاع الأميركية للصحافيين إن أحد دروس التجربة العراقية هو أن القوات الأميركية وحدها تستطيع تطهير المناطق بسرعة، على غرار تلك التي يسيطر عليها مقاتلو «داعش» في سوريا، «لكننا نحتاج لوجود قوات محلية على الأرض تتولى مهمة الحفاظ والبناء، وإلا فإنا (نحن الأميركيين) سنبقى هناك لمدة معتبرة من الوقت». المقاربة الأميركية الجديدة تدعو إلى إرسال أقل من 50 فرداً من القوات الخاصة ضمن فرق الشهر المقبل من الولايات المتحدة إلى شمال سوريا من أجل دعم قوات مختارة من السوريين والتركمان والعرب السوريين التي تقاتل في المنطقة. ومن المنتظر أن تعمل الفرق الأميركية لأسابيع وربما لأشهر، بينما يقوم مقام مقر إحدى هذه المجموعات أو أكثر من أجل التنسيق بينها تكتيكياً ولوجستياً. والهدف هو تحديد نوع التعاون العسكري الذي ينبغي تطويره. وفي هذا السياق يقول مسؤول البنتاجون: «علينا أن ننزل إلى الميدان ونلتقي بهم، إذ لا شيء يضاهي اللقاء المباشر وجهاً لوجه». ويضيف المسؤول: «ما لم تصبح لدينا ثقة أكبر، فلا أعتقد أن قواتنا ستذهب وترافق قوات (الثوار الموجودة في سوريا) على الميدان». خلال المستقبل المنظور، لن يقوم العسكريون الأميركيون الجدد بعمليات مشتركة مع تلك المجموعات السورية، مثلما أنهم لن يلعبوا دور مراقبين جويين ميدانيين ليوجهوا الطائرات الأميركية وطائرات التحالف ويدلوها على الأهداف. ويقول مسؤول البنتاجون إنها هناك «لتعمل مع الوحدات الموجودة هناك من أجل محاربة تنظيم داعش وتحديد الأشياء الأخرى التي يمكن أن تقوم بها». بعبارة أخرى، إن الباب سيظل مفتوحاً لإرسال مزيد من الجنود الأميركيين إلى سوريا، والأمر يعتمد على ما سيحدث هناك خلال الأشهر القليلة المقبلة. ـ ـ ـ ـ ـ والتر بينكوس* -------------------------- *محلل سياسي أميركي -------------------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»