ربع مليون نازح في الشهر الماضي، يعادل عددهم مجموع النازحين في العام السابق، ومعظمهم عرب ومسلمون من بلدان أصبحت مرمى صواريخ وقنابل من يشاء من الدول وغير الدول. «المنظمة الدولية للهجرة» أعلنت بلوغ عدد المهاجرين عبر أوروبا هذا العام نحو 800 ألف، توفي منهم في الطريق 3329 معظمهم غرقاً، واليونان التي تعاني من الديون وبرامج التقشف، استقبلت نصف مليون نازح أكثرهم عرب ومسلمون هاربون من الفقر والحروب الدولية والأهلية، بينهم مليونا عراقي، يتجه معظمهم إلى أوروبا، و«أمواج البحر لا تجرف اللاجئين الموتى والأطفال الموتى فحسب، بل تجرف حضارة أوروبا نفسها». أعلن ذلك سيبراس، رئيس وزراء اليونان الذي انتقد بشدة غلق الدول الأوروبية حدودها في وجه اللاجئين. وسوريا التي تتبارى الدول بقصفها أكبر مخيم لاجئين في العالم، حيث بلغ عدد النازحين داخلها سبعة ملايين، وقتلت الحرب الأهلية ربع مليون، وحوّلَتْ 4 ملايين إلى لاجئين خارج بلدهم، لم تأوِ منهم واشنطن سوى ألفين، وقال «مايكل أغناتيوس» أستاذ العلوم السياسية في «هارفرد» إن «خوض الولايات المتحدة الحرب ضد داعش أمر جيد، لكن ألسنا مسؤولين عن اللاجئين الفارين من الحرب. وما دمنا نُسلح المتمردين السوريين، أليس علينا أيضاً مساعدة السكان المدنيين، وإذا فشلنا في التوسط لإقامة السلام بسوريا، أليس علينا مساعدة من لم يعد بإمكانهم انتظار السلام»، وانتَقدَ «أغناتيوس» إلقاء العبء على أوروبا، ودعا الولايات المتحدة، وكندا، وأستراليا، والبرازيل لإرسال بعثات إلى البلدان الأوروبية للمساعدة في استقبال اللاجئين وتسجيلهم، ونقلهم جواً إلى بلدان اللجوء، وحذّرَ من أن الفشل في ذلك يؤدي إلى ظهور جيل حاقد من السوريين، و«ليرحمنا الله إذا لم يغفر السوريون لنا لامبالاتنا». ولم يحدث من قبل أن هاجر لوحدهم صبيان ومراهقون فقدوا عوائلهم أثناء هروبهم، وعثر عليهم مهاجرون آخرون، أشفقوا عليهم، وأخذوا بأيديهم راكضين، والشرطة في إثرهم. 23 ألف صبي ومراهق أفغاني وسوري وعراقي تقدموا بطلبات لجوء فردية، وتثير الدهشة سرعة تعلمهم لغات بلدان اللجوء، بعضهم يروي بلغة ألمانية سليمة ما حدث لهم، ونشرت الصحف صورهم في كنائس ألمانية ترعاهم راهبات كاثوليكيات، فيما هم يخُطّون بحروف عربية كبيرة كلمات «الله» و«محمد». وبمقدار ما تستفحل هجرة العرب والمسلمين تستفحل الحملة ضدهم، وتبلغ من القوة حدّ أنها تُحَجِّرُ عقول وقلوب نخب من أبناء جلدتهم، والتعليقات العابثة التي تسخر من تمسك اللاجئين والمهاجرين المسلمين بدينهم تجهل أن التبشير بالدين المسيحي كان الرسالة التي حملها ملايين المهاجرين الأوروبيين الهاربين من الفقر والحروب عبر ثلاثة قرون الماضية. فمعظم سكان قارات أستراليا وأميركا الشمالية والجنوبية، أحفاد المستوطنين الأوروبيين الذين فرض بعضهم الدين المسيحي بالإكراه على السكان الأصليين، واستخدموه ذريعة لإبادتهم. والزحف المليوني المتواصل عبر القارات أمواج هجرة تقذفها التغيرات المناخية والسياسية، والعرب لم يكونوا حتى العقد الماضي من الأمم المهاجرة، ولا يرِدُ اسم بلد عربي واحد بين أكثر عشر دول يرغب سكانها بالهجرة، بينها الصين ونيجيريا والهند وبنغلاديش، وتأتي بريطانيا في المرتبة العاشرة، حيث يرغب 3 ملايين من سكانها في الهجرة إلى الولايات المتحدة. استقصت ذلك مؤسسة «غالوب» التي قاست عام 2011 توجهات الرأي العام في 151 بلداً، ووجدت 150 مليون شخص يرغبون في الهجرة إلى الولايات المتحدة، و45 مليوناً إلى بريطانيا، و32 مليوناً إلى فرنسا، فيما يرغب 12 مليون في الهجرة إلى اليابان، و9 ملايين إلى سويسرا، و6 ملايين إلى السويد. ---------------------- *مستشار في العلوم والتكنولوجيا