العودة إلى خارطة الطريق السياسية للأمن الخليجي يبدأ من بوابة اليمن كجزء أصيل من الأمن القومي الخليجي. ولا يخفى على أحد الأهمية الاستراتيجية لموقع اليمن بالنسبة لمنطقة الخليج العربي والقوى الدولية على جميع الأصعدة والمستويات وخاصة السياسية والاقتصادية والأمنية، حيث تمثل اليمن البوابة الجنوبية لمدخل البحر الأحمر، وتتحكم في الممر الذي يصله بالمحيط الهندي، وعبر منطقة خليج عدن تحتضن كلاً من البحر الأحمر والمحيط الهندي وتتحكم كذلك في طرق الملاحة البحرية المؤدية إلى آسيا، وبما أنها تطل على بحرين وخليج ومضيق بحري مهم جداً هو مضيق باب المندب الذي يربط بين دول الغرب ودول الشرق وعبره تمر السفن التجارية الدولية، وكذلك السفن الناقلة للنفط الخليجي إلى دول العالم الغربي. ووفق تلك المعطيات، فإن اليمن باب البيت الخليجي مما يجعل مصالح الدول الخليجية متأثرة إنْ وقعت اليمن في الأيدي الخطأ واستخدام ذلك كسلاح لصانع القرار السياسي، ناهيك عن متاخمتها للمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان، مما يجعل أي توتر أمني وعدم استقرار في اليمن يؤثر بالضرورة على أمن واستقرار دول الخليج كافة. فإن ما تشهده اليمن لا يمثل صراعاً سياسياً داخلياً فحسب وإنما صراعاً تحركه الدول التي يوجد لديها مصالح حيوية في العالم العربي والقرن الأفريقي والقارة الأفريقية ككل. ومن ينجح في التحكم في مضيق هرمز من جهة وباب المندب من جهة أخرى، فهو يتحكم بالمنافذ الأهم عالمياً، ويضرب حصاراً مميتاً على دول الخليج العربي. وقد يتحكم بالخط الملاحي بأسره إذا سقطت جزيرة سوقطرى اليمنية الاستراتيجية تحت سيطرته مما أدى إلى تدخل دول التحالف العربي العسكري الاضطراري في اليمن للحيلولة دون تحقق ذلك السيناريو الخطر. ولم يكن بوسع دول الخليج العربي تجاهل مسألة اختطاف اليمن وجعله مركز لفوضى هدامة تمتد في المنطقة ككل. فمن يتحكم في اليمن يضمن لنفسه منفذاً مباشراً على دول الخليج العربي، إضافة إلى أن القوة البشرية اليمنية واحتمالية استغلالها الخاطئ والعكس صحيح. ومن ناحية أخرى، يعتبر اليمن الحاجز الأمني الأساسي أمام الهجرات الأفريقية تجاه منطقة الخليج، وتبرز في الجانب الآخر أطروحة تأمين البحر الأحمر الذي يعتبر مسرح تنافس دولي ما بين الدول المتشاطئة عليه أو المطلة عليه وبين الدول الكبرى، كونه يتوسط مناطق مصادر الطاقة في منطقة الشرق الأوسط، والخليج العربي، وأفريقيا الشرقية، وهو معبر سهل، وقصير، واقتصادي ما بين هذه المصادر ودول الاستيراد، وخاصة دول الغرب، كما أنه ممر استراتيجي لحركة الأساطيل الحربية ما بين البحر المتوسط والمحيط الهندي وأفريقيا وصولاً حتى الصين واليابان والمحيط الهادي، ولذلك الحراك الخليجي لحل الأزمة اليمنية محل ترحيب الجميع كونه حل لأزمة عالمية مرتقبة، ومن نتائج الأزمة اليمنية المباشرة وغير المباشرة هو التالي: بروز السعودية والإمارات كلاعبين رئيسيين في صنع القرار السياسي إقليمياً وعالمياً. وتأثر موازنات وخطط التنمية في بعض الدول الخليجية. وإعادة ميزان القوى في المنطقة. وتطور في المشاركة السياسية الشعبية في دول مجلس التعاون (وسائل التواصل الاجتماعي). ومن بين نتائج الأزمة تغير العقيدة القتالية في منظومة دول مجلس التعاون، وبروز أهمية انضمام اليمن إلى منظومة مجلس التعاون. وفقدان مصر لدورها القيادي وفقدانها لبعض حلفائها الدوليين وخطورة تقربها من المعسكر الخاطئ. ونهاية العصر الأميركي بمفهومة التقليدي في الشرق الأوسط. ومراجعة انتشار القوات الأميركية والتمركز العسكري الأميركي في الشرق الأوسط. وأوضحت الأزمة اليمنية الرؤية فيما يخص استراتيجية «آسيا أولاً» للجانب الأميركي، ومما يعني وضع الشرق الأوسط وأوروبا في مرتبة تالية لآسيا لمواجهة الصين والهند مستقبلاً. وأوجدت الأزمة درجة من الشك في قدرة وزارة الدفاع الأميركية على تنفيذ استراتيجيتها العسكرية القائمة على ردع إيران والتركيز على منطقتي آسيا والمحيط الهادي في آن واحد. وربما تساهم الأزمة في التقارب الخليجي التركي وبروز تركيا كلاعب أساسي واللاعب الأهم لأميركا في صراعات الشرق الأوسط. أميركا تقود 12 دولة مطلة على المحيط الهادي في تحالف اقتصادي دولي سيولد منطقة اقتصادية ضخمة تغطي 800 مليون نسمة و40 في المئة من الاقتصاد العالمي، وبالتالي ربما تقل أهمية دول مجلس التعاون من الناحية الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة الأميركية. وأوضحت الأزمة اليمنية أن دول الخليج العربي تقود العالم العربي بالإنابة وحتى إشعار آخر.