بعد أخريات وصلن إلى كرسي الحكم في دول آسيوية مثل الهند وباكستان وبنجلاديش والفلبين وتايلاند وكوريا الجنوبية.. ها هي امرأة تتسلم منصب رئيس الجمهورية في نيبال، فقد أدت «فيديا بهانداري» اليمين الدستورية كرئيسة منتخبة لنيبال، يوم الخميس الماضي، بعد يوم واحد من انتخابها لهذا المنصب، وهو الحدث الذي اعتبره البعض انتصاراً جديداً للمرأة الآسيوية في عالم السياسة، وخطوة مهمة إلى الأمام بالنسبة لنيبال التي أصبحت «فيديا» أول امرأة تتولى منصب الرئاسة فيها، سواء بالنظر إلى الحدث إياه كنتيجة لجهود حركة نسائية محلية وعالمية نشطة، أو بالنظر للآمال التي يبعثها في إيجاد عملية ديمقراطية وتنموية شاملة ترتقي بالمستوى المادي وغير المادي لسائر قطاعات المجتمع النيبالي، وعلى رأسها النساء والأطفال والفقراء. وقد اهتمت بهانداري، البالغة من العمر 54 عامًا (ولدت في 19 يونيو 1961)، بالعمل السياسي مبكراً، فانضمت للحزب الشيوعي النيبالي عام 1978، وبدأت تشارك بشكل أكثر فاعلية في الحياة السياسية من خلال الحركة الطلابية الشيوعية، ثم التحقت بالجامعة وتخرجت بشهادة في العلوم السياسية، لكن ظلت السياسة كممارسة عملية ونشاط ميداني أولوية بالنسبة لها. ولالتصاقها بالنشاط الحزبي والعمل السياسي اليومي والمباشر، فقد تزوجت في عام 1987 من زعيم الحزب الشيوعي «مادان بهانداري»، والذي سيلقى مصرعه بعد ذلك بثلاث سنوات في حادث سير غامض وُجهت فيه أصابع الاتهام للسلطات الحاكمة وأجهزتها الاستخباراتية. ترشحت باهانداي لشغل مقعد في البرلمان عن الحزب الشيوعي خلال الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 1994، ففازت بالمقعد، ثم فازت به مجدداً في انتخابات عام 1999. وبعد عشر سنوات تولت أول منصب حكومي في حياتها، حيث عينت وزيرةً للدفاع في عام 2009 ضمن حكومة ائتلافية ترأسها الحزب الشيوعي، واستمرت في هذا المنصب حتى عام 2011، ثم تم انتخابها نائبة لرئيس الحزب الشيوعي النيبالي عام 2013. وخلال تلك السنوات كانت نيبال تمر بتحولات غير مسبوقة في تاريخها، فقد شهد هذا البلد الآسيوي الصغير الواقع في شبه القارة الهندية، والذي تمر به سلسلة جبال الهملايا الشهيرة، والمحشور بين العملاقين الآسيويين الصين والهند، والمنعزل بسبب وعورة تضاريسه وافتقاره إلى منفذ بحري على العالم الخارجي.. شهد ما عرف إعلامياً باسم «مذبحة القصر الملكي»، حين قام ولي العهد الأمير ديابندرا، في عام 2001، بإطلاق النار على والده الملك بيرندرا والملكة ايشواريا وسبعة أفراد من العائلة المالكة، ثم أقدم على الانتحار، فتولى عمه «جينندرا» مقاليد الحكم ليصبح فيما بعد آخر ملوك البلاد قبل تحولها إلى جمهورية. وأمام تقلب الوضع السياسي في البلاد عقب حل البرلمان في عام 2002، وصعود حركة تمرد ماوية مسلحة سيطرت على عدة مناطق.. أخفق رؤساء الوزارات المتعاقبون على الحكم (ستة رؤساء وزارات بين عامي 2002 و2007) في فرض الاستقرار وتحقيق الأمن، ولم تنعم نيبال بالهدوء النسبي إلا بعد الاتفاق الموقع مع حركة التمرد الماوية في ديسمبر 2007، والذي نص على إنهاء الحكم الملكي القائم في البلاد منذ 240 عاماً، وإعلان جمهورية نيبال الديمقراطية الفيدرالية، واستكمالا لذلك التحول، تبنت نيبال - في سبتمبر الماضي - دستوراً جديداً يهدف إلى تعزيز الدولة المدنية بدلا من الدولة الهندوسية، وإلى دعم النظام الفيدرالي والتقسيم الإداري الجديد. كما انتخب البرلمان في وقت سابق من الشهر المنصرم رئيساً جديداً للحكومة هو زعيم الحزب الشيوعي النيبالي (الماركسي اللينيني الموحد) «كهادغا براساد شارما» الذي يعد حليفاً مقرباً لبهانداري، لاسيما أنها نائبته في رئاسة الحزب. وفي انتخابات الأربعاء الماضي حشد الحزب الشيوعي وحلفاؤه لدعم مرشحتهم بهانداري داخل أروقة البرلمان الذي يمثل هيئة ناخبة يصوت أعضاؤها لاختيار رئيس للجمهورية من بين الأعضاء المرشحين. وقد حصلت مرشحة «الحزب الماركسي اللينيني الموحد» على 327 صوتًا مقابل 214 لمنافسها كولباهادور جورونج من «المؤتمر النيبالي». وبذلك تصبح بهانداري أول سيدة ترأس جمهورية النيبال الديمقراطية الفيدرالية، وثاني شخص يتولى هذا المنصب بعد «رام باران ياداف»، رئيس «حزب المؤتمر النيبالي»، الذي انتخب رئيساً للجمهورية من قبل الجمعية التأسيسية في عام 2008، وتم التمديد له سنتان بسبب تأخر عملية الاستفتاء على الدستور الجديد. لكن منصب الرئاسة الذي تقلدته بهانداري الخميس الماضي، يعد موقعاً شرفياً غير ذي صلاحيات تنفيذية كبيرة، في إطار النظام البرلماني الذي تبنته نيبال. بيد أنه بموجب مخرجات العملية «الديمقراطية» الجديدة في البلاد، والتي منحت الحزب الشيوعي السيطرة على رئاسات الحكومة والبرلمان والجمهورية، فإن تعاون الحكومة والبرلمان مع رئيسة الجمهورية سيتيح لها إنفاذ الكثير من أفكارها وشعاراتها السابقة، لاسيما لجهة تطوير أوضاع المرأة والطفولة والتعليم، فضلا عن مقاربتها الاجتماعية الموعودة لمحاربة الفقر. لكن حتى لو استطاعت بهانداري التغلب على نقص الصلاحيات التنفيذية لمنصبها الجديد، فستبقى أمامها مشكلة الافتقار إلى الوسائل المالية الضرورية لتحقيق كثير من رؤاها ووعودها «الاشتراكية»، في بلد محدود الموارد وكثير الاحتياجات.. وتلك معضلة قديمة مردها إلى مفارقة الواقع والفكرة، الحقيقة والمثال! محمد ولد المنى