تُجري الهند واليابان والولايات المتحدة أول مناورات بحرية ثلاثية الأطراف في المحيط الهندي في خطوة يبدو بوضوح أنها تهدف إلى ترسيخ العلاقات بين الدول الثلاث في إطار مواجهة القوة المتزايدة للصين والتصدي لممارساتها الاستفزازية وخاصة في الوقت الراهن عندما أقحمت نفسها في نزاعات إقليمية في بحري جنوب وشرق الصين. وهذه هي المرة الأولى التي توجه فيها الهند دعوة إلى اليابان للمشاركة في مناورات «مالابار» التي تجريها نيودلهي سنوياً بالاشتراك مع واشنطن منذ عام 1992. وتأتي مناورات هذا العام بين الدول الثلاث بعد ثماني سنوات من دعوة الهند لليابان وأستراليا وسنغافورة للمشاركة فيها، ولكنها لم تكرر الدعوة مرة أخرى بسبب الاحتجاج الدبلوماسي الصيني عليها، وبعد أن رأت الصين بأن هذا التجمع يعد جزءاً من جهود الولايات المتحدة لقص جناحيها. وفيما كانت اليابان تجري مناوراتها في شمال المحيط الهادي، فإنها تشارك هذا العام للمرة الأولى بمناوريات في المحيط الهندي الذي يعد طريق عبور تجاري حيوي. وتعبر المحيط الهندي نصف أعداد الحاويات التجارية و70 بالمئة من الشحنات النفطية التي يتناقلها العالم. وفي الوقت الذي تستقبل فيه الهند 80 بالمئة من وارداتها النفطية من الطرق البحرية للمحيط الهندي، فإن الصين تعتمد أيضاً على هذا الممر التجاري الحيوي. وكان هذا واحد من الأسباب التي دفعت الصين للبحث والاستحواذ على موانئ وجزر جديدة من أجل تأمين ممراتها التجاري البحرية. ولقد بدا واضحاً أن الصين مهتمة بمراقبة هذه العلاقة الجديدة التي نشأت بين الهند والولايات المتحدة واليابان، وهي تتابعها بقلق بالغ. ويمكن القول: إن مناورات «مالابار» البحرية من أكثر المناورات البحرية أهمية بالنسبة للدول الثلاث. وخلال هذا العام، أطلقت البحرية الهندية فرقاطتين، وغواصة مدفوعة بالطاقة النووية، ومدمرة، وطائرة للمراقبة البحرية، ونشرت أميركا في المنطقة ذاتها حاملة طائرات وغواصة مدفوعة بالطاقة النووية وقطعاً أخرى، وشاركت اليابان بمدمرة واحدة مجهزة بنظام للدفاع الجوي، وتكفلت بإنجاز عمليات البحث والإنقاذ وتشغيل أنظمة الحرب ضد الغواصات. ويأتي انضمام اليابان إلى مناورات هذا العام، بالرغم مما قد تثيره من انتقادات صينية، في إطار تنفيذ السياسة الخارجية لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي التي تدعو إلى استعراض القوة. وفيما كانت حكومة حزب «المؤتمر» السابقة قد بادرت بدورها لتقوية العلاقات مع اليابان، فلقد بدت الحكومة الحالية أقل تردداً في الإعلان عن علاقاتها الاستراتيجية وروابطها المتينة بكل من الولايات المتحدة واليابان. وبالرغم من أن رئيس الوزراء الهندي يحرص على تفعيل السياسة الخارجية الهندية، إلا أنه يحاول الآن جذب اهتمام العالم إلى الهند كقوة بحرية مهابة الجانب في المحيط الهندي. ولقد سارع إلى الكشف عن سياسة أمنية أوسع مدى منذ وصوله إلى السلطة العام الماضي، وعمل على تعميق الروابط مع اليابان والولايات المتحدة في الوقت الذي أبقى فيه على علاقات ودّية مع بكين. ولا زالت الصين تمثل الشريك التجاري الأكبر للهند، ولا يمكن للهند أن تفكر في استعدائها. ومع ذلك، فإن «مودي» لم يتوانَ أبداً عن سعيه لإقامة علاقات أقوى مع الولايات المتحدة واليابان. وفي نفس الوقت، أخذ يسعى لتقوية الوجود العسكري لبلاده في المحيط الهندي. وفي أوائل العام الجاري، قام بجولة في البلدان المطلة على المحيط الهندي من جزر سيشل وحتى جزر موريشيوس وسريلانكا. وجاءت جولته تلك على خلفية مشاعر القلق من نشر الصين لغواصاتها قريباً من شواطئ سريلانكا وباكستان العام الماضي. كما أن هذا التوجه نحو تقوية العلاقات الاستراتيجية بين الدول الثلاث يأتي بسبب السياسة الاستفزازية المتزايدة للصين التي لم تعد تتوقف عن استعراض عضلاتها في بحري جنوب وشرق الصين ولتعلن للعالم عن وصايتها الإدارية على العديد من الجزر والقطاعات البحرية. ومثلت هذه المواقف حافزاً للهند لتقوية علاقاتها مع الولايات المتحدة وبعض القوى البحرية الأخرى من أجل رعاية مصالحها الاستراتيجية والأمنية. كما تأتي هذه المناورات في سياق الإصرار الياباني على حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي. وفي شهر سبتمبر من هذا العام، نشرت القوات البحرية الهندية أربع سفن بحرية في الخليج العربي فيما كان «مودي» يقوم بزيارته الناجحة إلى أبوظبي ودبي في شهر أغسطس الماضي. ـ ـ ـ ــ ــ ـ ـ ـ مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي