قد يظن بعض الناس أن الامتناع عن التصويت في الانتخابات ظاهرة سلبية توحي برفض الناس المشاركة في العملية الانتخابية. وكل شيء له ظاهر وباطن. فالظاهر يبدو كذلك كما قد يظن الناس عزوفاً عن العملية السياسية، وإدارة ظهر لها. والانتخاب والتصويت مؤشر شعبي إيجاباً أم سلباً، بالمشاركة أم بالامتناع. وقد يحمل الامتناع دلالة على الحالة السياسية للشعب من المشاركة. وقد تتحكم في المشاركة كل وسائل الدعاية القانونية وغير القانونية من رشاوي وشراء الأصوات. فالأغلبية مصنوعة وقد لا تعبر بالضرورة عن الحالة السياسية للناخبين. وهو ما لوحظ من قبل عن ديمقراطية الصندوق المزيفة. والامتناع هنا مثل المشاركة في التصويت المبالغ فيها لإسقاط مرشح يعبر عن النظام القديم وإنجاح آخر يعبر عن الثورة الجديدة! الامتناع هو إيجاب مضاد عن طريق الرفض، رفض العملية السياسية بشقيها «نعم» أو «لا»، كما قد يعني رفض المرشحين للانتخابات سواء من الأحزاب القديمة أو الجديدة. فالأحزاب القديمة في مصر مثلاً كـ«الوفد» هي التي سيطرت على الحياة السياسية بأفكارها القديمة وتاريخها الذي ما زال يؤثر فيها، ماضيها في حاضرها. تغيرت مصر المعاصرة في ثلاث جمهوريات وهي لم تتغير! والأحزاب الجديدة ليس لها رصيد شعبي بل قد تؤثر بأسمائها فقط مثل «النور»، و«حب مصر». فمن منا يحب الظلام؟ ومن منا يكره مصر؟ وباقي الأحزاب المشكَّلة حديثاً لم يسمع عنها أحد، ولا عن برامجها على رغم الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها مصر. وهي بالعشرات ولا يعرف المواطن الفرق بين حزب وآخر كي يختار أفضلها. وما الفرق بين الفردي والقائمة؟ ومع وجود الأحزاب القديمة وما لديها من خبرة سياسية فإن الغلاء كان يزداد، والأسعار ترتفع كل يوم. والفساد كان يستشري في العهود السابقة. والأحزاب الجديدة لا أحد يسمع عنها. هي مجرد تجمعات أصحاب مصالح اقتصادية أو سياسية، لا برامج لها ولا جماهير ولا قيادة ولا نخبة، ولذلك قد يُحل البرلمان ويُعقد آخر كما يترك وزير منصبه ويأتي آخر. وفي الوعي السياسي الشعبي قد يُعقد برلمان ويفض آخر. ويتساءل الناس: ما الضامن لاستمرار البرلمان القادم والصراعات قد بدأت بين قواه؟ وهو برلمان تحكمه المصالح. فيه بعض رجال الأعمال ورجال الحكم السابق، وفريق ثالث انضم إلى رجال الأعمال. وقد تأمل السلطة تكوين حزبها من قوى البرلمان المختلفة التي لا شعبية لها. فتحصل على أغلبية. ويمكن أيضاً تكوين حزب المصالح ورجال الأعمال وينضم إليه رجال الحكم السابق وبعض التيارات الدينية. وبالتالي تكوّن هذه الأغلبية حزباً جديداً حاكماً كما فعل «الحزب الوطني» في النظام السابق بعد القضاء على الاتحاد الاشتراكي العربي. وفي هذه الحالة يكون الامتناع عن التصويت، في رأي المنتقدين، أفضل. وهو انتخاب سلبي، انتخاب للبديل الذي ما زال أملًا في الوعي ولم يتكوّن بعد بهذه العملية الانتخابية. السلطة فَرِحة في الظاهر لأنها آخر مرحلة في الانتقال الديمقراطي قد حددت أحد مكملات الدولة الحديثة بعد الدستور والقضاء، البرلمان. والشعب في الباطن هذا هو اقتناعه أيضاً. * أستاذ الفلسفة - جامعة القاهرة