كما أن اليمن حُصن بالتحالف العربي، فلا يقل شأن سوريا عن الشأن اليمني في شيء، بل هي أكثر تلازماً مع إيران مما هو حاصل في اليمن. فلنعرض في الصورة الراهنة لسوريا التي رهنت نفسها للملالي في طهران، وكأنها ليس لها عرق أو نسب أو أهل، أو صلة بالعرب ولا بالعروبة مفضلة «التخندق» في كهف «الطائفية» الضيق عن سعة العروبة بقرابة ثلاثمئة مليون نسمة في اثنتين وعشرين دولة يمكن أن تفعل شيئاً لسوريا إذا اتحدت إرادتها، كما يقوم التحالف بذلك في اليمن. يحدث في سوريا ما لم يحصل في تاريخ العرب في حروبها القبلية أو الإسرائيلية، أرتال من الفرس تسرح وتمرح في الأراضي السورية بدعوى التخلص من «داعش»، وأيضاً «داعش» من ناحية أخرى تعيث في ديار بكر ومضر فساداً باسم «الجهاد» و«الخلافة» وغيرهما من المسميات التي بادت منذ قرون مضت، إلا أنها لقيت في قلوب هذه الشرذمة هوى غائراً، فأنبتت حشائش سامة في جسد الإسلام الطاهر، فإيران السورية تدعي أيضاً الإسلام الذي يقاتل به «داعش» ونظراؤه، وبالضد تدرك الأشياء، إلا أننا في هذه البلية الطامة لم ندرك الصواب في هذه الأحداث المتلاطمة والمتداخلة حلقاتها، لغز لا جواب له إلا بمزيد من القتل والتدمير. طابور خامس يتحرك في سوريا العروبة، يحاول إزالتها واستبدالها بِنَفَسٍ طائفية تطوف الفرس من حولها وكأنها تتجول في أحياء طهران وأصفهان ومشهد الشاهدة الزور على مجريات الأمور هناك. ولم تقف الأحداث عند «الحرس الثوري»، بل تعدت إلى الروس الذين دخلوا إلى سوريا بكل ما يملكون من قوى التدمير بأضعاف ما كانوا يفعلون في أفغانستان السالفة، لتدمير «داعش» وأذياله على رؤوس الأشهاد، بعد أن رأت إيران وروسيا أن أكثر من ستين دولة متحالفة غير قادرة على حسم المعركة ضد «داعش»، فبدونها تدخل المنطقة في كهف «داعش»، وبها سيعم الأمن والأمان والاستقرار في المنطقة الملتهبة. فالجزء الذي يهمنا هو عروبة سوريا التي تحاول إيران ومن ورائها «حزب الله» فرسنتها بطريقة أو بأخرى، ولا يعني هنا اللسان، بل الولاء للطائفة ونسيان أن سوريا كانت يوماً ما عين العروبة على الآخرين، مهد الحضارات العالمية التي خرجت من أرضها، فهلا تعود قليلاً إلى وعيها وتقبل بإرادة شعبها المطرود والمطارد في كل أصقاع الدنيا، ألا يستحق هذا الشعب لا نقول الشفقة، بل اللفتة إلى أنه قادر على بناء الدولة التي تليق به، فلا روسيا ولا إيران «حزب الله» سوف تقومان بذلك لأنها مجرد أداة لإدارة صراع طائفي لا يمكن أن ينهيه المدفع والرشاش، بل الفكر المملوء بأطنان من السلم والتعايش. لقد جاء هذا الأمر واضحاً في افتتاحيات كبرى الصحف الغربية، عندما أشارت في بعض عناوينها الصارخة، وأكدت على أنه «يمكننا أن نترك سوريا لشأنها، إلا أنها لن تتركنا لوحدنا» ومتى كانت سوريا العرب شأناً غربياً على مدار التاريخ إلا عندما أخذ منها الاستعمار لفترة ما يريد، غير أن الأمور لم تمض هكذا حتى استقلت كبقية أخواتها العربيات، حتى جاءت الأزمة الداخلية في 2011 لتتحول هذه الأرض العربية الخالصة إلى أخلاط بين الفرس يفعلون بها وفيها ما يشاؤون، وكأن إذن النظام الحاكم لهم بذلك بطاقة خضراء لممارسة كل أنواع القتل والسحل تحت مسمى محاربة «داعش». كلنا مع دحر «داعش» عن كل البقاع العربية، سواء في سوريا أو اليمن أو العراق العربية التي لم تسلم من الفرسنة كذلك، فإن ذهبت سوريا ضحية من ضحايا «الفرسنة»، فإن للعراق جولة أخرى بعد «داعش»، فمن يتصدى لـ«الحرس الثوري» في سوريا والعراق واليمن ولبنان للخروج إلى حيث أتوا، إن ميزان المصالح الدولية والطائفية قد اختل تماماً عندما يقوم جنود دول بأكملها باكتساح أراضٍ عربية لم يغب عنها حبر قلم الاستعمار الغربي، بعد حتى تبتلى بالاستعمار الطائفي، وهو أكثر وحشية ووقعاً.