أعلنت منظمة الصحة العالمية بداية هذا الأسبوع، من خلال الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (The International Agency for Research on Cancer)، بأن اللحوم المصنعة يمكن أن تصنف كمواد مسرطنة -مواد مسببة للسرطان- كما يحتمل أن تكون اللحوم الحمراء في شكلها الطبيعي هي الأخرى مسرطنة، وإن كان لا يوجد دليل كاف للتأكيد على ذلك. وكما هو متوقع، احتل هذا الخبر مساحات واسعة من التغطية في وسائل الإعلام الدولية، في ظل حقيقة أن اللحوم الحمراء –مصنعة وغير مصنعة- أصبحت تشكل مكوناً أساسياً من غذاء الإنسان في العصر الحديث، حيث تشير التقديرات إلى أن الاستهلاك العالمي من اللحوم خلال العام الماضي فقط بلغ 340 مليون طن، وبمعدل استهلاك أكثر من 40 كيلوجراماً للشخص الواحد سنوياً، وهو ما يشكل زيادة بمقدار 25 في المئة عن معدلات الاستهلاك العالمية لعام 2003. وإذا ما أضفنا لهذه الحقيقة، الواقع المؤسف بأن الأمراض السرطانية تصيب قرابة 13 مليون شخص سنوياً، ليلقى نحو 8 ملايين منهم حتفهم بسبب مرضهم، مما يجعل الأمراض السرطانية مسؤولة عن 13 في المئة من جميع الوفيات بين أفراد الجنس البشري، ويضعها في المرتبة الثالثة على قائمة أسباب الوفيات عامة، فسيصبح من السهل حينها إدراك السبب خلف مساحات التغطية الإعلامية التي حظى بها إعلان منظمة الصحة العالمية. ولكن قبل الاستطراد في الأسباب التي دفعت بالمنظمة الدولية إلى تصنيف جزء مهم من مكونات الغذاء اليومي لمئات الملايين من البشر، ضمن مجموعة المواد المسرطنة (Carcinogenic)، وهي المجموعة سيئة السمعة التي تضم من بين أعضائها منتجات التبغ، والكحوليات، والبلوتونيوم، لابد أولا أن نتوقف عند معنى وأشكال اللحوم المصنعة، وتحديد المقصود باللحوم الحمراء. بداية، ومن المنظور العلمي، تُعرف اللحوم الحمراء على أنها الأنسجة العضلية للحيوانات الثديية، مثل الأبقار، والأغنام، والماعز، والخيول، وغيرها. وبخلاف الأنسجة العضلية، أحياناً ما يضاف إلى مجموعة اللحوم الحمراء الأعضاء الداخلية، مثل الكليتين، والكبد، والقلب. أما اللحوم المصنعة، وعلى عكس الاعتقاد الشائع، ليست هي كل اللحوم التي تمت عليها عملية اصطناعية، فاللحم المفروم مثلا لا يعتبر لحماً مصنعاً. حيث يُعرف اللحم المصنع على أنه اللحم الذي دخل عليه تعديل، أو تغيير، أو تبديل، من خلال: التمليح، أو التخمير، أو التعتيق، أو التدخين، أو إضافة مواد حافظة، أو أياً من الأساليب التي تتبع لتغيير وزيادة النكهة. ومن الأمثلة على اللحوم المصنعة الشائعة: «الهوت دوج»، والنقانق أو السجق، والبولوبيف، والسلامي، واللحوم المعلبة، والخلطات التي تحتوي على لحوم. وجدير بالذكر هنا أن مصطلح اللحوم المصنعة لا يقتصر فقط على اللحوم الحمراء، بينما يشمل أيضاً الأعضاء الداخلية، أو اللحوم البيضاء (لحوم الطيور والدواجن) إذا ما خضع أي منها للوسائل والأساليب سابقة الذكر. أما بخصوص علاقة هذه الأنواع من اللحوم بالسرطان، ورغم أنها علاقة أصبحت ثابتة، فيجب أن نضعها هنا في حجمها الحقيقي. ففي الوقت الذي نجد فيه أن التدخين مسؤولا عن 19 في المئة من جميع حالات الإصابة بالسرطان، نجد أن مسؤولية اللحوم المصنعة تنخفض إلى 3 في المئة فقط. بمعنى أن التدخين وحده يتسبب في عدد حالات إصابة بالسرطان، تزيد عن ستة أضعاف ما تتسبب فيه اللحوم المصنعة. وإذا ما نظرنا عن كثب في العلاقة المباشرة بين هذه النوعية من اللحوم وأنواع محددة من السرطان، مثل سرطان القولون والمستقيم، فستتضح لنا الصورة بشكل أكبر. حيث يصيب هذا النوع من السرطان ستة أفراد من كل مئة من السكان –إحصائيات بريطانية- ولذا حسب تقرير منظمة الصحة العالمية الذي يفيد بأن تناول اللحوم المصنعة يزيد من احتمالات هذا النوع من السرطان بنسبة 18 في المئة، تترجم هذه النسبة إلى إصابة سبعة أفراد، أي بزيادة فرد واحد في كل مئة من السكان. وهو ما يدفعنا لتلخيص هذا الموضوع المعقد في النقاط التالية: 1- رغم كون اللحوم الحمراء مصدرا مهما للبروتين، والحديد، والزنك، وفيتامين (B12)، إلا أنه يجب الإقلال من استهلاكها، وليس الامتناع التام عن تناولها، مع زيادة محتوى الغذاء من الأغذية النباتية، وخصوصاً الخضراوات الورقية. 2- يجب تجنب اللحوم المصنعة قدر الاستطاعة، وإن كان تناول كمية بسيطة منها بين الحين والآخر، لا يشكل سبباً للقلق. 3- على من يرغب في خفض احتمالات الإصابة بالأمراض السرطانية قدر الإمكان، اتباع التالي: الامتناع عن التدخين، وعن شرب الكحوليات، وتناول غذاء صحي متوازن، والحفاظ على وزن مناسب، وممارسة الرياضة والنشاط البدني بشكل منتظم.