تعاني منظمة الأمم المتحدة منذ فترة طويلة حالة شيخوخة بدأت مبكرة، وأخذت أعراضها تزداد وتتفاقم إلى أن ظهرت كلها في الدورة السبعين لجمعيتها العامة في 3 أكتوبر الجاري. فقد حشدت المنظمة في هذه الدورة أقصى طاقاتها، ولذلك فهي مقياس مهم لأدائها، وما آل إليه حالها في عقودها الأخيرة. كلام بلا عمل إلا فيما قل، وأوراق ووثائق مكدسة يطويها النسيان، وقرارات لا يجد أكثرها طريقاً إلى واقع دولي تحكمه عوامل القوة العارية. ومع ذلك لم يتم استثمار الاهتمام الدولي بهذه الدورة لتصحيح الاختلالات واتخاذ خطوة جادة نحو إجراء الإصلاحات التي شُكلت لجان لبحثها منذ التسعينيات. ازدحمت الدورة السبعون بأحداث لا حصر لها، وتضمن جدول أعمالها المُتخم قضايا يبدو للوهلة الأولى أنها مهمة وكبيرة، ولكنها لا جديد في أي منها. وكالعادة فقد انتهت الدورة بقرارات وإعلانات براقة تُضاف إلى آلاف سبقتها. ومما تضمنه جدول أعمالها اجتماعات عدة على مستوى القمة بشأن قضايا كلها مهمة مثل المناخ، والإرهاب الذي يُطلق عليه أيضاً في بعض وثائقها «التطرف العنيف»، وحفظ السلام، فضلاً عن «التنمية المستدامة» التي جعلتها المنظمة الدولية قضيتها الرئيسية. وهذه كلها قضايا أُشبعت نقاشاً على مدى عقود. ورغم أن قضية اللاجئين التي صارت شديدة الإلحاح في اللحظة الراهنة لم تغب في هذه الدورة، فإنها لم تلق عناية تليق بالتطورات الراهنة فيها. وقضية اللاجئين ليست جديدة على الأمم المتحدة. وكان أداؤها في قضية اللاجئين الفلسطينيين خصوصاً أفضل مقارنة بغيرها. لكن مفوضيتها المعنية بهذه القضية تواجه أزمة خطيرة ظهرت بوضوح خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة وبعده. وهي ليست مجرد أزمة تمويل بخلاف ما تعلنه المفوضية، بل جزء من الأزمة العامة لمنظمة ترهلت أجهزتها على نحو يعوق حركتها. وهكذا فكلما تفاقمت الأزمات، ازداد انكشاف الأمم المتحدة، وتجلى ضعف أداء أجهزتها، وتوسع نطاق الخروقات لقراراتها، وتحولت وظائفها إلى طقوس شكلية. وإذا أخذنا الشرق الأوسط مثالاً، نجد أن هذه الحالة لم تعد مقصورة على قضية فلسطين التي حُفظت في الأدراج عشرات القرارات بشأنها، بل صارت حالة عامة في مختلف الأزمات وأحدثها الأزمة اليمنية. لذلك صار معتاداً أن يتحرك مبعوثو السكرتير العام للأمم المتحدة وفق الاجتهادات الخاصة لكل منهم، وبمعزل عن قراراتها التي يبدو أن بعضهم بات مقتنعاً بعدم جدواها. ويبدو المبعوث الخاص إلى اليمن مثلا وكأنه نسي أصلاً أن مجلس الأمن أصدر القرار 2216. فهو يدعو لمفاوضات «غير مشروطة»، رغم أن هذا القرار يحدد الأسس- وبالتالي الشروط- لأي حل سياسي. وليس هذا غريباً. فـ«التناسي» أحد أهم مفاتيح فهم حالة الأمم المتحدة. لذلك يتناسى من أعدوا خطة التنمية المستدامة، التي تعد بعالم أفضل خلال 15 سنة القادمة، «إعلان الألفية» الصادر عام 2000 بهدف معالجة مشاكل الفقر في العالم، والذي حفل بوعود رائعة أبسطها «التصميم على أن تنخفض إلى النصف بحلول 2015 نسبة سكان العالم الذين يقل دخلهم اليومي عن دولار واحد، وأن يتمكن جميع الأطفال في العالم من إتمام مرحلة التعليم الابتدائي». وتحفل الخطة «الجديدة» بوعود مماثلة حيث تتعهد بتحقيق 17 هدفاً ورد نحو نصفها على الأقل في «إعلان الألفية» الذي لم يعد له ذكر، وفي مقدمتها القضاء على الفقر وتأمين التعليم والرعاية الصحية للجميع وتشجيع النساء ومواجهة آثار التغير المناخي وغيرها. وقد أُعدت هذه الخطة دون مناقشة العوامل التي أدت إلى إحباط «إعلان الألفية»، وكأن الأمم المتحدة تتعامل مع عالم افتراضي بعيد عن عالم الواقع وتطوراته المؤلمة. لذلك من الطبيعي أن تُثار أسئلة حول جدوى إصدار خطة طموح من دون استعداد لتوفير مستلزمات تنفيذها. أما السؤال الأهم فيتعلق بجدوى المنظمة التي تفعل ذلك أصلاً؟