انتهت مرحلة من تاريخ الحياة السياسية والحزبية في كندا بعد عشرة أعوام حكم خلالها حزب المحافظين الكندي بقيادة ستيفن هاربر، السياسي اليميني المنتمي للتيار الكاثوليكي الصهيوني. قاد جاستين ترودو، ابن الزعيم الكندي بيير ترودو، حزب الأحرار الكندي في واحدة من أنجح الحملات الانتخابية التي عرفتها كندا منذ عقود طويلة، فأسفرت عن فوز حزبه بأغلبية انتخابية قوية (189 مقعداً من مقاعد البرلمان الفيدرالي الـ330). أحزاب المعركة خاضت حملتها الانتخابية تحت شعارات التغيير وإسقاط هاربر، لحماية كندا من سياساته الخارجية التي أضرت بها ضرراً بالغاً، ومن سياساته الاقتصادية التي تحملت أعباءها الطبقتان الوسطى والفقيرة والشباب، والتي أحدثت شروخاً كبيرة في النسيج الاجتماعي والديني والثقافي لبلد يفخر أهله بأنه وطن التعدد الثقافي والعرقي والديني ووطن التسامح العدالة الاجتماعية. لقد كان فقدان حزب المحافظين لأغلبيته البرلمانية إعلاناً مدوياً من قبل الناخبين الكنديين برفضهم واستنكارهم لسياسات هابر ولمواقفه التي اتسمت في قضايا كثيرة بالصلف والاستهزاء. وما يهمنا هنا في هذا المجال موقفه تجاه قضية اللاجئين السوريين، والذي لم يكتف بعدم الاستجابة لنداءات المجتمع الدولي لكندا كي تساهم في حل أزمة اللاجئين التي أصبحت قضية إنسانية عامة، بل تجاوز ذلك إلى الإعلان أثناء حملته الانتخابية بأنه مسؤول عن «حماية المجتمع الكندي من تلك الممارسات التي يحملها اللاجئون السوريين معهم نتيجة لثقافاتهم البربرية». ولم يغب المعنى المقصود لوصف ثقافة اللاجئين السوريين بالبربرية، ليس عن فطنة المسلمين الكنديين وجمعياتهم، بل أدركته أيضاً غالبية الرأي العام الكندي المستنير، فاستنكروه وعدوه من الكبائر أن يجرؤ رئيس حكومة كندية على توجيه مثل هذه الإهانة البالغة للمسلمين وهم بعض مكونات المجتمع الكندي. وانتبه الرأي العام إلى مواقف سابقة لهاربر في الإساءة للمسلمين وثقافتهم، تلك المواقف التي وصفوها بأنها تحمل بذور الكراهية العرقية والتحامل والتعالي على الآخر. وفيما يجري زعيم الحزب الفائز مشاوراته لتشكيل حكومته القادمة، ماذا ينتظر العرب والمسلمون (في كندا وخارجها) من سياساته ومواقفه؟ إن الرأي العام الكندي الذي منح ترودو تأييداً قوياً إنما منحه هذا التأييد من أجل إحداث التغيير الكبير الذي كان شعار حملته الانتخابية الأول، وفي هذا المنحى ننتظر من حكومته تنفيذ التزامها بمنح اللجوء لخمسة وعشرين مواطناً سوياً يعيشون ظروفاً إنسانية بالغة السوء، وهو وعد قطعه رئيس الحكومة الجديد على نفسه. نعلم حجم الصعوبات اللوجستية والإجراءات الأمنية، لكن الأمر المطمئن أن خطة النقل سيشارك فيها سلاح الجو الكندي الذي له تجارب سالفة ناجحة في هذا المجال. لقد قرر رئيس الوزراء المنتخب منح المفوضية العليا للاجئين مبلغ مائتي مليون دولار لمساعدتها في تسريع إجراءات تأمين اللاجئين في مواقع وجودهم الآن، وتهيئة عشرة مراكز جديدة للاجئين القادمين، وهو عمل يجد تأييداً من الحكومات الإقليمية الكندية. أما فيما يخص مسألة النقاب والمنقبات التي كسرت ظهر هاربر في الانتخابات، فيكفي أن يأمر النائب العام الجديد بسحب الاستئناف الذي قدمته حكومة هاربر ضد قرار المحكمة العليا الفيدرالية والقاضي بحق المنقبات في ارتداء النقاب كحق دستوري، وبإبطال قرار هاربر بحرمانهن من أداء قسم الجنسية وهن يرتدين النقاب. كما نأمل أن يلتزم ترودو بما وصفه بالموقف التاريخي لكندا منذ إعلان قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، الموقف الذي ميز سياسة كندا لعقود من الزمن. وسيكون على الكنديين العرب أن يتابعوا في مقبل الأيام تطورات السياسة الخارجية الجديدة، وأن ينشطوا ويواصل الاتصال بنوابهم (كما يفعل الآخرون) وحثهم على الاهتمام بقضايا العالم العربي والإسلامي.