ما انفك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يفاجئ العالم؛ فبعد تدخله العسكري الروسي في سوريا، أجرى بوتين هذا الأسبوع اجتماعاً وجهاً لوجه في موسكو مع بشار الأسد. وعلى غرار ما حدث عقب تدخل بوتين في أوكرانيا العام الماضي، فقد صدر الكثير من التعليقات حول عبقريته الاستراتيجية المفترضة، تعليقات ترى في معظمها أن الرئيس الروسي تحرك على نحو حاسم، ويمسك بزمام المبادرة، ويخلق حقائق على الأرض، على عكس تحركات الغرب الضعيفة وغير الفعالة في سوريا.. ولكن العكس هو الصحيح. قبل خمس سنوات، كانت روسيا في موقف أقوى بكثير، سواء داخلياً أو في العالم. أما اليوم، فإن بوتين يقف موقفاً دفاعياً ويمعن في اتخاذ القرارات الخاطئة، مسترشداً في ذلك بنظرية قديمة في السياسة الدولية عفَّى عنها الزمن. بيد أن إدراك أخطاء روسيا لا يضمن فشلًا في المستقبل. ولذلك، فإنه لا يمكن للولايات المتحدة وحلفائها الوقوف موقف المتفرج وانتظار فشل روسيا، بل عليها أن تتبنى استراتيجية شاملة لتقليل العواقب السلبية لأعمال روسيا وتعظيم التأثيرات الإيجابية لأعمالنا. بعد فشل سياسته مع «فيكتور يانوكوفيتش» حليفه السابق في أوكرانيا، فشلت سياسة بوتين أيضاً مع حليف آخر، الأسد. فرغم عرقلته قرارات مجلس الأمن الدولي ضد نظام الأسد، وتزويده دمشق بالأسلحة، وحثه حلفاء سوريا على القدوم لنجدة النظام، إلا أن جهود بوتين لم تفض إلى تعزيز حكم الأسد. ذلك أنه بعد زهاء أربع سنوات من الحرب الأهلية، يحكم الأسد مناطق أقل اليوم ويواجه خصوماً أقوى. ولهذا السبب، في الواقع، اضطر بوتين للتدخل – ولإنقاذ حليفه المستبد من الهزيمة. على المدى القصير، حمّست حملة القصف الروسية في سوريا الجيش السوري وحلفاءه لشن هجوم مضاد على ثوار المعارضة – أي ضد الجميع تقريباً باستثناء تنظيم «داعش» - غير أنه على المدى الطويل، لا تستطيع الضربات الجوية الروسية لوحدها استعادة سلطة الأسد على كامل البلاد، ذلك أن بوتين يبرع في الرد التكتيكي على الانتكاسات على المدى القصير، ولكنه يبدو أقل براعة في التخطيط الاستراتيجي على المدى الطويل. ولذلك فإنه حتى من دون رد من قبل الغرب، فإن مآل مغامرات بوتين الخارجية هو الفشل في النهاية، وخاصة مع ازدياد المشاكل الاقتصادية الداخلية تفاقماً. بيد أنه سيتعين على الولايات المتحدة وحلفائها أن يسعوا لتقصير تلك المدة عبر التصدي لروسيا على عدة جبهات، إذ بينما ينخرط بوتين كليا في سوريا لدعم حليفه، علينا أن نقوم بالمثل مع شركائنا وحلفائنا – ليس فقط في سوريا، ولكن في أوروبا وعبر العالم أيضاً. ففي سوريا، لا يمكن للولايات المتحدة أن تسمح لروسيا بالقضاء على كل اللاعبين باستثناء الأسد وتنظيم «داعش»؛ ولذلك علينا أن نقدم مزيداً من الأسلحة والدعم لمجموعات أخرى من الثوار، كما ينبغي أن نحذر بوتين من أن مزيداً من الهجمات على الثوار غير التابعين لتنظيم «داعش» سيدفعنا لحمايته، سواء عبر إقامة منطقة محمية يحظر فيها الطيران أو عبر تزويدها بأسلحة مضادة للطائرات. وينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين أيضاً أن تغتنم تركيز بوتين على سوريا لتعميق دعمها لأوكرانيا. فمقابل التقدم على صعيد الإصلاح الاقتصادي، وخاصة الإجراءات الخاصة بمحاربة الفساد، يمكننا أن نقدم مساعدات مالية أكبر للبنى التحتية وبرامج الخدمات الاجتماعية، والآن هو الوقت المناسب لدعم الجيش الأوكراني عبر توفير مزيد من التداريب العسكرية والأسلحة الدفاعية. وفي أماكن أخرى من أوروبا، ينبغي أن يقوم حلف «الناتو» بنشر قوات برية في بلدان حلفائنا الذين يواجهون أكبر قدر من التهديد من روسيا. فضم روسيا لشبه جزيرة القرم وتدخلها في شرق أوكرانيا شكَّلا انتهاكاً واضحاً للاتفاقية الموقعة بين «الناتو» وروسيا عام 1997 في باريس حول طبيعة العلاقة بين الجانبين، واتفاقيات أخرى. ورداً على ذلك، يستحق منا حلفاؤنا في «الناتو» التزامات جديدة ذات مصداقية. من الواضح أن لدى الولايات المتحدة مصلحة في صعود روسيا ديمقراطية وغنية وقوية، ومندمجة بشكل كامل في الأسرة الدولية. وقد يدرك الزعماء الروس الجدد أيضاً، في النهاية، أن طريق روسيا إلى العظمة يقتضي إصلاحاً في الداخل وزعامة مسؤولة في الخارج، وأن دعم الحكام المستبدين الفاشلين عبر استعمال القوة ليس استراتيجية موفقة، غير أن الطريقة الوحيدة لدفع روسيا في الوقت الراهن للسير في اتجاه مختلف تتمثل في احتواء مسار بوتين الحالي والتصدي له، ليس فقط من خلال ردنا المباشر في سوريا، ولكن أيضاً بطريقة مستديمة واستراتيجية عبر العالم. مايكل ماكفول أكاديمي أميركي سفير الولايات المتحدة السابق في روسيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»