التقى الرئيس السوري بشار الأسد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 20 أكتوبر في موسكو تلبية لدعوة من الرئيس الروسي في زيارة اعتبرتها الأوساط السياسية والإعلامية مفاجأة، وهي أول زيارة للأسد إلى الخارج منذ بدء الأزمة في بلاده عام 2011، فيما أعلنت وزارة الخارجية الأميركية استغرابها من الزيارة، وقالت بإن الدعم الذي يقدمه بوتين يزيد من «جرأة» الأسد، ويطيل أمد وجوده في السلطة على حساب المعارضة والشعب السوري. رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو تمنى لو أن الأسد يبقى في موسكو لمدة طويلة، مضيفاً بأن ذلك سيتيح لشعبه أن يستعد السلام وللمرحلة الانتقالية. واطلع بوتين في سلسلة اتصالات مع كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، وملك الأردن عبدالله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على نتائج الزيارة. فهل كانت الزيارة هدفاً بحد ذاته أم أن توقيتها له دلالة مهمة؟ وما هي انعكاساتها على الأطراف الإقليمية والدولية؟ لقد حملت الزيارة عدة دلالات سياسية، فقد أحيطت بأعلى درجات السرية، فلم يعلن عنها إلا بعد إتمامها، وعودة الرئيس السوري إلى دمشق، ويرى مراقبون بأن الزيارة الخارجية للأسد تدل على ثقته بتماسك جبهته الداخلية وثقته بالحلقة الضيقة في السلطة، كما تشير إلى درجة عالية من التنسيق السياسي بين روسيا وسوريا لحل الأزمة السورية. فالتدخل العسكري الروسي سيتم استثماره سياسياً على طاولة التفاوض، فالتطورات العسكرية على الأرض والنجاحات الروسية ستحسن من فرص التفاوض على طاولة المفاوضات الدولية، وإعادة إطلاق العملية السياسية وفق شروط (دمشق – موسكو)، ومن المرجح استمرار الحملة العسكرية الروسية وتكثيفها للوصول لحل سياسي وفق الشروط الروسية. ومن ناحية أخرى، ومن وجهة النظر الروسية، من الصعب على الأسد دخول المفاوضات السياسية من موقف ضعف، قد يُفضي لتنازلات سياسية والخضوع لاشتراطات أطراف الصراع على سوريا، سواء كانت المعارضة السورية، أو الأطراف الإقليمية، مما يعني عدم تقديم تنازلات سياسية بانتظار الإنجازات العسكرية والضغط على الخصوم السياسيين من أجل التخلي عن شرط رحيل الأسد، أو تحديد فترة زمنية لبقائه ومن ثم رحيله، كما صرحت أنقرة. ووفق التصريحات الروسية المتكررة، فإن قرار بقاء الأسد أو رحيله بيد الشعب السوري وحده، ويجب أن يجري انتقال السلطة بوسائل شرعية، كما يتعين اعتماد شروط الفترة الانتقالية من قبل جميع أطراف النزاع. ولعل الدلالة الأهم بأن الرئيس الروسي يوجه رسالة واضحة للدول التي تدعم المعارضة، وتدعم رحيل الأسد كشرط لإنهاء الحرب بأن الأسد لا يزال الرئيس الشرعي لسوريا، وأنه جزء من الحل السياسي للأزمة السورية. التدخل العسكري الروسي أدى إلى تغيير المعادلة السياسية والتوازنات على الأرض، فروسيا تسعى إلى إنجاز عملية سياسية موجهة في سوريا، ستسمح لها بالتحكم بالمخرجات، وبالتالي صيانة المصالح الروسية على المدى البعيد عبر النظام السياسي الجديد المتوافق عليه، وهي حالياً تقوم بنشاط دبلوماسي بموازاة العمل العسكري، وهو التحضير سياسياً للمرحلة المقبلة. فواقعياً تعرف موسكو بأنه من الصعوبة بمكان أن يتمكن الأسد من أن يحكم الأراضي السورية بأكملها كما يصعب تصور قبولها بإزاحة الأسد دون انهيار نظامه، وعليه تسعى روسيا إلى تحجيم البدائل السياسية المحتملة لنظام الأسد، وتعمل على القضاء على المعارضة المسلحة من خلال حملتها العسكرية، ومن ثم التخطيط لبقاء الأسد ونظامه حتى لو كان لمرحلة انتقالية مخطط لها وغير مصرح بها إنْ وُجد البديل لاحقاً.