لو كانت للقادة الروس قدرة على الوصول بتدخلهم في سوريا إلى نتيجة حاسمة، لكانوا قد سارعوا إلى إظهار شيء منها خلال هذه المدة التي انقضت على شروعهم فيه، ويتحتم عليهم الآن أن يعيدوا النظر في الأهداف التي ينشدونها من هذا التدخل إن كانوا يرغبون حقاً في الوصول به إلى نهاية سريعة. وقد قال بوتين في مؤتمر «فالداي» الذي عقد في مدينة «سوشي» الروسية الخميس الماضي، وشارك فيه محللون وخبراء عالميون: «لم يتمكن شركاؤنا من إنجاز أي عمل فعّال هناك، بخلاف قواتنا التي حققت بالفعل بعض النتائج الملموسة». وكانت الرسالة التي قصد توجيهها إلى العالم تتلخص فيما يلي: لقد عادت روسيا إلى المسرح الدولي، وأصبحت هي اللاعب العالمي الأكثر قدرة على الإنجاز مقارنة بالولايات المتحدة. وعلى رغم هذا، عكست سياسة موسكو في سوريا التناقضات ذاتها التي أفسدت سياسة واشنطن حيال الأزمة السورية، ومن ذلك مثلاً، الزعم الروسي بأن العمليات العسكرية يمكنها أن تفضي بسرعة إلى تسهيل عقد محادثات بين الأطراف المتصارعة لإيجاد حل سياسي للأزمة، وهو احتمال لا يمكن تحقيقه طالما بقيت توجه ضرباتها لكل فصائل المعارضة المسلحة لحكم بشار الأسد الذي اقترف كل هذه الفظاعات بحق الشعب السوري، وكان الهدف الروسي الحقيقي هو إنقاذ الأسد الذي يحاول بقواته البرية الباقية، وبالاستفادة من الضربات الجوية الروسية، استعادة بعض الأراضي التي فقدها. ويخوض الأسد حرباً ضد جميع الفصائل المسلحة المناوئة له في غرب سوريا وليس في الشرق فقط حيث يتمركز مقاتلو تنظيم «داعش»، ولهذا السبب، أدت الضربات الجوية الروسية إلى استفراد التنظيم بالسيطرة على المناطق الشرقية، فيما استهدفت تلك الضربات معارضي الأسد أيضاً تحت دعوى محاربة «داعش». وهذا بالطبع لا يعود إلى جهل المسؤولين الروس بالفرق بين هذه التنظيمات، بل لأنهم يعتقدون أن هذا الفرق لا قيمة له أصلاً ولا يعني شيئاً بالنسبة لهم، وكأن المبدأ الضمني الذي يستندون عليه هو: إذا أنت حملت السلاح ضد النظام السوري، فأنت إرهابي. ويعد هذا الموقف تكراراً لما فعلته روسيا في الشيشان عندما واجهت هناك حركة تدعو إلى الاستقلال - الانفصال عن الاتحاد الروسي ما لبثت أن تحولت إلى ثورة متطرفة رأى فيها الروس ما وصفوه بأنه «إرهاب إسلامي». وقد وصل بوتين إلى الحكم بعد بضعة أشهر من اندلاع الحرب الشيشانية الثانية عام 1999 وسارع إلى سحق المقاومة وتنصيب زعيم موالٍ له رئيساً للشيشان. وقال بوتين في كلمته التي ألقاها في مؤتمر «سوشي» الخميس الماضي: «على المرء ألا يلعب على الفروق اللفظية للكلمات عندما يتحدث عن الإرهابيين المعتدلين وغير المعتدلين. فما الفرق بينهما؟». وذهب إلى حد القول إن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في سوريا فشل لأنه كان يحاول أن يلعب ما أسماه «اللعبة المزدوجة» عندما أعلن الحرب على بعض الفصائل الإرهابية فيما كان يتعاون مع فصائل أخرى. ومثلت دعوة بوتين لرئيس النظام السوري لزيارة موسكو هذا الأسبوع، خطوة ذات مغزى يتمثل في إبلاغ العالم بأن بشار الأسد يتمتع بدعم شخصي خاص من بوتين، وبأن روسيا لا تتخلى عن حلفائها مثلما تفعل الولايات المتحدة. وفي هذا السياق يقول الخبير الروسي في قضايا الشرق الأوسط فيتالي تومكين: «حتى لو أرادت روسيا بالفعل عزل الأسد، فإن الإيرانيين سيعارضون هذا الخيار بقوة». وما تريده إيران له أهميته عند الروس أيضاً. وهناك نقطة مهمة أخرى في هذا السياق، هي أن موسكو لا تريد تقسيم سوريا. ومن شأن هذا الموقف أن يقصّر مدة الحرب هناك بشكل كبير، وقد تبنى بوتين شخصياً هدف الحفاظ على وحدة سوريا خلال تصريح أدلى به عقب اجتماعه بالأسد، ووصف تقسيم سوريا بأنه لا يمثل أكثر من وصفة لتحضير صراعات دائمة لا تنتهي. ويضاف إلى كل ذلك أن التدخل الروسي في سوريا مخطط بحيث يقتصر على الضربات الجوية فحسب. كما أنه ذو مدة محددة تقدّر بنحو أربعة أشهر تقريباً. ويتضح من هذه الخطة أن روسيا تأمل أن تصل بحملتها في سوريا إلى نهاية سريعة مثلما فعلت في صراع الشيشان بعد أن تدحر المعارضين «الإرهابيين». إلا أن الوضع في سوريا يختلف عن الوضع في الشيشان لأن الحرب في سوريا مذهبية الطابع، وتلقى فيها المعارضة الدعم من الخارج. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»