«شنيوب غرق جمل»، مثل إماراتي مشهور، الشنيوب هو سرطان البحر والجمل معروف لديكم، ويذكر المثل تهكماً على الشخص الكبير عندما يسقط لشيء صغير، فكيف يتمكن سرطان البحر الصغير من خداع الجمل الكبير ليقوده نحو الهلاك غرقاً. ذكرت هذا المثل لكل من سألني عن رأيي التربوي حول مسلسل ضرب بعض المعلمين للأطفال في مدارس دولة الإمارات العربية المتحدة. من حيث المبدأ شخصياً لا أجد مسوغاً لتداول ونشر مثل هذه المقاطع عبر قنوات التواصل المختلفة، لأنني أعتقد أن المعلم من أهم رموز المجتمع، الذي يعان ولا يهان، وإن كانت الأحداث تشير إلى وجود فئة قليلة من المعلمين، تنقصهم الكفاءة التربوية للتعامل مع الأطفال، لا يجوز أبداً تعميم هذه الصفة على آلاف من المعلمين المخلصين، الذين تحملوا أمانة رعاية وتربية جيل المستقبل، لهم مني كل التقدير والاحترام. القضية لها جوانب مختلفة ومتشعبة، أولها يتلخص في دراسة واقع الضغوطات التي يتعرض لها المعلم في منظومتنا التربوية، كمتخصصين نعرف الاحتراق المهني للمعلم، وعمق الجراح النفسية التي يتعرض لها، لكننا لم نجد في منظومتنا التعليمية ما أو من يساعد المعلم في تجاوز هذه الضغوطات. كثيرة هي الجهات والدوائر في مجتمع الإمارات التي تخطط أنشطة وبرامج لسعادة الموظفين. فنجد مثلاً نوادي أقرب للمنتجعات للضباط، وهم يستحقونها، لكننا لم نسمع عن نوادي مماثلة للمعلمين السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا فعلت الجهات المشرفة على المدارس من أجل إسعاد المعلم! لا أبرر بهذا المقال ضرب التلاميذ، بل إنني اعتبر الضرب جريمة تهدد كيان الطفل، وتغرس فيه العديد من الأزمات النفسية بقية حياته ما لم يخضع لعلاج سلوكي. لكنني أعرف كمتخصص أن العقاب يدفع التلاميذ للتعلم أكثر من الثواب، وعندما أتطرق للعقاب، فإنني لا أقصد الضرب، لقد أكدت دراسة أميركية حديثة هذه القضية، حيث أثبتت التجارب تفوق أسلوب العقاب على الثواب بثلاث مرات في التعلم، وهو ما أكده الدكتور «جان كوبانيك» أحد القائمين على الدراسة التي تمت في كلية الطب بجامعة واشنطن، وملخصها أن العقاب أجدى نفعاً في تحفيز التلاميذ وطواقم المدارس على حد سواء من الثواب والمكافأة. حياة الترف وعدم الخوف من المساءلة دفعت بعض التلاميذ إلى إساءة الأدب، وإهمال الدراسة. المدارس مطالبة بتوقيع عقد مع أولياء الأمور والتلاميذ يتناول المخالفات السلوكية التي يعاقب عيها قانون التعليم، وأن يكون العقاب متدرجاً ومناسباً للسلوك المنحرف. على سبيل المثال: ما هو العقاب المناسب للتلميذ الذي يحُضر معه جهاز هاتف في الفصل الدراسي، وكيف تتم معاقبته إنْ تكرر منه هذا السلوك. وجود لائحة للسلوك المدرسي أضحى أمراً مهماً في مدارس اليوم كي نحدد السلوك المرفوض داخل غرفة الصف، وكيف يتعامل المعلم مع ذلك السلوك. النظام الواضح لضبط سلوك المتعلمين في المدارس يؤمن للتلاميذ بيئة تعليمية آمنة، تسمح للمعلم بالقيام بدوره دون تهديد يُذكر. الأحداث الأخيرة في مدارسنا بينت أهمية وجود برامج لمساعدة المعلمين للتخلص من مشاكلهم، كي لا تؤثر على آدائهم داخل غرفة الصف، وتتيح هذه البرامج مجالاً للفحص والعلاج الدوري لنفسية المعلم، كي يتم استبعاد المعلمين الذين شارفوا على الانهيار من الناحية النفسية قبل وقوع الأعمال الاستثنائية التي شهدناها في الفترة الماضية. مهنة التعليم ليست وظيفة من لا يجد غيرها، بل لابد من استقطاب أفصل الكفاءات للقيام بمثل هذا العمل الإنساني المقدر في كل الحضارات، لكننا في العالم العربي أهملنا الأبعاد الخفية لهذه المهنة الإنسانية، ونتج عن ذلك أمور لا يتسع المجال لذكرها، ومنها «شنيوب غرق جمل».