تعتبر الصواريخ الجوالة «كروز» من أنواع الأسلحة التي تتمتع بقدرة فريدة على الإخلال بالتوازن الاستراتيجي، إذ يمكن إطلاقها من دون سابق إنذار، علاوة على أنها تشتمل على النوعين التقليدي والنووي. والرئيس أوباما يستطيع قيادة العالم إلى مستقبل أكثر استقراراً وأمناً، من خلال إلغاء الخطط الرامية لإنتاج صواريخ كروز قادرة على حمل رؤوس نووية. وفضلاً عن ذلك، فإن الإقدام على هذه الخطوة يمكن أن يضع الأساس اللازم لحظر عالمي على إنتاج هذا النوع شديد الخطورة من الصواريخ. منذ عامين قررت بريطانيا عدم المضي قدماً في إنتاج صواريخ كروز ذات قدرة نووية من النوع الذي يطلق من منصات بحرية. وشرح فيليب هاموند الذي كان وزيراً للدفاع آنذاك، الموضوع بشكل جيد للغاية حيث قال: «سياسة الردع المبنية على صواريخ كروز تنطوي على مخاطر كبيرة، مثل احتمال سوء التقدير والتصعيد غير المقصود. فعند إطلاق هذه الصواريخ لا يكون لدى الدول الأخرى أي طريقة لمعرفة ما إذا كنا قد أطلقنا صاروخاً جوالاً تقليدياً أم صاروخاً ذا رأس نووي. وهذا النوع من اللايقين ينطوي على خطر إمكانية اندلاع حرب نووية في أوقات التوتر». وقد أدرك رونالد ريجان وميخائيل جورباتشوف تلك القدرة على الإخلال بالتوازن الاستراتيجي، لدى صواريخ كروز، فقاما بالتوقيع على «معاهدة القوات النووية المتوسطة المدى» عام 1987، وقد تضمنت تحديد مراحل وأولويات التخلص من نسخ كروز التي يتم إطلاقها من قواعد أرضية. وعلى نفس المنوال أصدر الرئيس بوش الأب عام 1991 من جانب واحد قراراً برفع كافة صواريخ «توما هوك» الجوالة التي يتم إطلاقها من سطح السفن الحربية والغواصات الهجومية الأميركية، ووضعها في المخازن. وجاء في تقرير «مراجعة الموقف النووي» لوزارة الدفاع الأميركية عام 2010، أنه سيتم اتخاذ قرار بشأن «ما إذا كان سيتم، والكيفية التي سيتم بها» استبدال منظومة صواريخ كروز الحالية. ومعلوم أن تلك الصواريخ ستصل إلى نهاية عمرها الافتراضي عام 2030 تقريباً، وأن الطائرات الوحيدة التي يمكن لها إطلاقها هي طائرات «بي-52» التي يعود تاريخ إنتاجها لعام 1955. أما الطائرة القاذفة الشبحية الأكثر تفوقاً من نوع «بي-2» فقادرة على حمل ليس صواريخ كروز فحسب، وإنما نوعين آخرين من القنابل النووية الحرة السقوط بفعل قوة الجاذبية، والتي لا تحتاج إلى منصات برية أو بحرية وهما القنبلة بي 61، والقنبلة بي 83 التي يبلغ وزنها 1,2 ميجا طن. وإدارة أوباما تستحق تقديراً كبيراً، لإقدامها على زيادة الاستثمار في برنامج الاستدامة، والقيادة والسيطرة الخاص بالطائرة بي-2، وهو برنامج باهظ التكلفة، لكنه شديد الأهمية لإطالة عمر قنبلة بي 61 النووية التي تشكل مع القاذفة بي-2 القدرة الجوهرية للثالوث الذي يطلق من منصات جوية وأرضية وبحرية، لعقود طويلة قادمة. وبالنظر إلى حقيقة أن طائرتي بي-2 وبي 61 المجددتين يتوقع لهما أن تظلا في الخدمة لعقود طويلة قادمة، وبالنظر إلى الخطط الخاصة بنشر طائرة بي-3 الجديدة القاذفة الاختراقية القادرة على حمل قنابل بي 61 اعتباراً من عام 2025، فإننا نرى أنه ليس هناك سوى القليل من الحجج التي تسوغ إنفاق عشرات المليات من الدولارات على صواريخ كروز نووية تطلق من الجو، وما يرتبط بذلك من برامج لمد عمر الرؤوس النووية. وقد تبنى البعض حجة مؤداها أن هناك حاجة لصواريخ كروز تطلق من الجو قادرة على حمل رؤوس نووية، لتوفير المرونة الكافية لرؤساء المستقبل للاشتباك مع روسيا أو الصين في حرب نووية محدودة. والواقع أن هذا التفكير كان يصلح لمرحلة الحرب الباردة التي انقضت، علاوة على أن هذا الاستخدام التكتيكي لمثل هذه النوعية من الصواريخ يمثل خطأً جسيماً. وبناءً على ما تقدم، نرجو من الرئيس أوباما العمل على إلغاء الخطط الحالية لتطوير وشراء ما بين 1000 و1,100 صاروخ كروز جديد من النوع الذي يطلق من الجو، والقادر على حمل رؤوس نووية. إن هذا النوع من القيادة الأميركية، مقروناً بمطالبة جادة للقوى النووية الكبرى الأخرى بالتخلص من هذه الصواريخ، هو فقط الكفيل بتقليص مخاطر استخدام الأسلحة النووية، كما سيكون بمثابة خطوة عملية تاريخية نحو عالم خالٍ من تلك الأسلحة. آندي ويبر: مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون البرامج الدفاعية النووية والكيماوية والبيولوجية (2009-2014) ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»