إذا كان الإسرائيليون يتباهون بأن لديهم منظومة صواريخ مضادة للصواريخ تحمي سماءهم من الصواريخ المعادية، يسمونها «القبة الحديدية»، فمن حقنا نحن العرب أن نتباهى أيضاً، ذلك أن الهبة القوية التي قام بها الشبان الفلسطينيون في القدس ومدن الضفة الغربية للتصدي لعمليات التقسيم الزماني للمسجد الأقصى بين اليهود والمسلمين، قد أثبتت أن لدينا نحن أيضاً قبة حديدية بشرية قادرة ببسالتها على حماية المسجد الأقصى. لقد سبقت هذه الهبة الفلسطينية التي شاركت فيها الفتيات بدور ملحوظ محاولات عربية سياسية عديدة لوقف برنامج التقسيم الزماني للأقصى والذي شرعت الحكومة الإسرائيلية في تطبيقه منذ أكثر من شهر. لقد دعا الأردن باعتباره صاحب الولاية على الحرم القدسي، مجلسَ الأمن الدولي لاتخاذ موقف يرد العدوان الإسرائيلي على الأقصى، كذلك أبلغت السلطة الفلسطينية السفراء الأجانب المعتمدين لديها بأن سلوك الحكومة الإسرائيلية مخالف للقوانين الدولية وينذر بإشعال حرب دينية، كما انطلقت تحذيرات من العواصم العربية تحذر إسرائيل من مواصلة مخططها الهمجي، غير أن البرنامج العدواني تواصل، وكانت الشرطة الإسرائيلية ومعها حرس الحدود يشرفان على حماية المجموعات اليهودية التي تقتحم ساحة الحرم القدسي بين مواعيد الصلوات الخمس، وكان الوزراء وأعضاء الكنيست اليهود يتقدمون هذه المجموعات، بينما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يرد على النداءات الدولية بضرورة الحفاظ على الوضع القائم في الأقصى بسخرية. كانت هذه النداءات تعني منع اقتحام اليهود للأقصى وإلغاء برنامج التقسيم الزماني، لكن نتنياهو يجيب بأن حكومته تحاول بالفعل الحفاظ على الوضع القائم، وهو يعني وضع التقسيم الزماني الذي تحول إلى أمر واقع. عندما فشلت كل الجهود السياسية مع حكومة نتنياهو، انطلقت منظومة القبة الحديدية البشرية من شبان وفتيات فلسطينيين لتعلن أن الأقصى عربي إسلامي وأنه سيبقى كذلك، فتركزت عدسات الفضائيات على المشهد وانتبهت العواصم واجتمع مجلس الأمن وقدمت فرنسا اقتراحاً يقضي بنشر مراقبين دوليين بناءً على طلب عربي، وطبعاً انتشر الذعر بين أعضاء الحكومة الإسرائيلية من الاقتراح الفرنسي وذلك ببساطة لأنه يعني أن جميع مخططات العدوان الإسرائيلية على الأقصى ستكون تحت عدسات المجتمع الدولي، وهو ما يعني بالنسبة للحكومة الإسرائيلية فشلاً ذريعاً يرغمها على وقف خطط التقسيم الزماني. لم يكن هذا هو وجه الفزع الوحيد الذي أثارته القبة الحديدية البشرية العربية الفلسطينية، فقد اضطر سكان القدس الغربية من اليهود لملازمة بيوتهم خوفاً من طعنات الفلسطينيين، في هذا الجو من الفزع نشط أنصار السلام الإسرائيليون وقاموا بمظاهرات في القدس تطالب الحكومة بوقف سياستها العنصرية والعمل على تحقيق السلام، مما يمثل نتيجة هامة للقبة الحديدية العربية. لقد كانت أصوات السلام الإسرائيلية قد خففت نتيجة لنجاح حكومة اليمين في فرض أطماعها دون أي رد فعل عربي مؤثر. ولن ننسى هنا أن نسجل أن الحكومة الإسرائيلية طبقت سياسة إرهابية إجرامية عندما سمحت للشرطة بإطلاق الرصاص الحي على المارة الفلسطينيين في شوارع القدس. لقد وصفت السلطة الفلسطينية هذه الأعمال بأنها عمليات إعدام خارج القانون، ما يعني إن إسرائيل ماضية في تطبيق شعار ما لا يتحقق بالقوة يتحقق بمزيد من القوة. وينبغي للحكومات العربية أن تستثمر بسالة القبة الحديدية العربية للضغط في مجلس الأمن من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي باعتباره أصل المشكلة.