منذ أن شرعت روسيا في تنفيذ ضربات جوية ممنهجة ضد معارضي بشار الأسد قبل بضعة أسابيع، تحسّن الوضع العسكري للنظام السوري ميدانياً. غير أن معركة حاسمة في حلب، التي كانت تُعتبر في يوم من الأيام أكبر مدينة في سوريا وقلبها الاقتصادي النابض، تدور رحاها حالياً من أجل إلحاق الهزيمة بالثوار. ويضطلع الجيش الإيراني والمليشيات الشيعية القادمة من العراق ولبنان حالياً بدور مهم في العمليات البرية. وإذا تمكنت القوات الموالية للأسد من إعادة السيطرة على حلب، فإن ذلك سيشكّل انتصاراً مهما لها من دون شك، لكنه لن ينهي الحرب الأهلية، كما أنه سينتج تدفقاً أكبر للاجئين على تركيا، ومنها على أوروبا. وفي هذه الأثناء، يبدو أن معركة السيطرة على حلب أصبحت عاملا مهماً في العلاقات الأوروبية التركية وسبباً لكثير من مشاعر المرارة والاستياء في العالم العربي السني من الأدوار التي تلعبها روسيا وإيران والعراق. المعركة الدائرة رحاها لن تكون سهلةً على اعتبار أن الجيش السوري الحر، الذي يسيطر على شرق المدينة منذ 2012، توصل بأسلحة جديدة من تركيا والسعودية وقطر والولايات المتحدة. لكن المثير للسخرية هنا هو أن تنظيم «داعش» وغيره من التنظيمات المتطرفة التي يزعم الروس والإيرانيون أنهم يقاتلونها، إلى جانب الجيش السوري الحر، قد تصبح قادرة على تحقيق اختراقات ومكاسب ميدانية داخل حلب تحت غطاء القوة الجوية الروسية. ويشار هنا إلى أن الأهمية الاستراتيجية للمدينة تكمن في كونها تقع على الطريق الرئيسي إلى تركيا التي تصل منها إمدادات الأسلحة والطعام. الروس والإيرانيون قرروا تصعيد انخراطهم العسكري في الحرب خوفاً من إمكانية تضعضع قوات الأسد العسكرية وانهيارها في الأخير، وهو ما سيمثل كارثة بالنسبة لكل من روسيا وإيران اللتين لديهما مصالح كبيرة في الحفاظ على حضور قوي في غرب سوريا. ذلك أن روسيا تريد الحفاظ على القاعدة البحرية في طرطوس، بينما تنظر إيران إلى علاقاتها الوثيقة مع «حزب الله» باعتبارها عاملا مهماً في التنافس الاستراتيجي طويل المدى مع إسرائيل. غير أن التداعيات الأوسع لمعركة السيطرة على حلب تكتسي أهمية خاصة بالنسبة لتركيا وأوروبا. فمسألة اللاجئين لا تثير قلق الزعماء في أنقرة وبروكسل وبرلين فحسب، وإنما تتعلق أيضاً بالعلاقات الأوسع التي تربط بين تركيا والغرب، والتي تعرضت لانتكاسات كبيرة خلال السنوات الأخيرة. ويُعتبر رفض تركيا استعمال قواتها البرية ضد الأسد وتصميمها على ألا تصبح محل إقامة دائمة بالنسبة لملايين اللاجئين السوريين موضوعين ملحين يحتاجان للانتباه. غير أن ثمة قلقاً متزايداً في الغرب لكون نظام أردوغان في تركيا أضحى سلطوياً ومعادياً لحرية الصحافة على نحو متزايد. وعلاوة على ذلك، فإن أردوغان لديه علاقات فاترة مع الولايات المتحدة وعداء شديد تجاه إسرائيل. كما أن تركيا فشلت في حل المشكلة الكردية الداخلية وتعرضت لأسوء هجوم إرهابي في تاريخها الحديث، وهو الهجوم الذي يُعتقد أن وراءه تنظيم «داعش». وبناءً على ذلك، فقد كان مفاجئاً نوعاً ما أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي زارت اسطنبول في الثامن عشر من أكتوبر الجاري، لم تَعد فقط بتأمين مزيد من الدعم المالي الأوروبي لتركيا من أجل مساعدتها على وقف تدفق اللاجئين إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، ولكنها وعدت أيضاً بتسريع عملية ترشح تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي، وهي العملية التي تعود لعقود طويلة قبل الآن. بيد أن هذا العرض يُعتبر من قبل كثيرين نوعاً من التفكير الرغائبي. ذلك أنه بالنظر إلى الاضطرابات الحالية التي تشهدها أوروبا نتيجة أزمة اللاجئين، فإن فكرة السماح لتركيا بسكانها المسلمين البالغ تعدادهم 77 مليون نسمة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي تُعد ضرباً من الخيال وتُظهر إلى أي مدى اضطرت ميركل للذهاب من أجل التعويض عن عرضها النبيل، وغير الواقعي واللامسؤول في الوقت نفسه، باستقبال ألمانيا نصف مليون لاجئ على الأقل، من دون أي تخطيط واضح في ما يتعلق بكيفية إيوائهم، ناهيك عن توفير الوظائف والأمن لهم. ومثلما قال رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو، في الاجتماع نفسه مع المستشارة ميركل، فإن إنهاء أزمة اللاجئين لن يتأتى قريباً مهما بلغ عدد الروس والإيرانيين الذين ينضمون للقتال.