سيَدخُلُ التاريخَ المهندسُ السوريُ «ياسر أرسلانوك» باعتباره من أول اللاجئين على دراجات هوائية، هو وزوجته وابناه الصبيان. عبرت العائلة بالدراجات من أقصى شمال روسيا إلى النرويج. ومع أن الشتاء لم يحل هناك بعد، فدرجة الحرارة نحو صفر مئوية، والرياح جليدية، والبَرَدُ يتساقط. ولم تركن العائلة السورية دراجاتها إلا في مدينة «ستورسكوغ» داخل النرويج، حيث وجدت خيمة مُدفَّأة. وبين أوائل لاجئي الدراجات فتاة سورية اسمها «دانا» عمرها 21 عاماً، قالت لمراسل «نيويورك تايمز» إنها وجدت الطريق القطبي أسهل من عبور البحر المتوسط ودول البلقان، حيث واجه والدها وأخوتها الأهوالَ. وأصبحت الدراجة في أقصى شمال أوروبا بمثابة «فيزا» للاجئين الذين لا تسمح لهم القوانين الروسية بعبور الحدود مشياً على الأقدام، وتعتقل سلطات النرويج من ينقلهم بالسيارات. ومعظم لاجئي الدراجات سوريون وعراقيون اكتشفوا الطريق عبر التواصل الاجتماعي، وحصلوا على فيزا سياحية من سفارتي روسيا في بيروت أو عمان. وأينما يظهر اللاجئون العرب ينشأ «بيزنس»، و«البيزنس» الجديد في روسيا نقلهم بالسيارات، إلى أقرب نقطة حدود مع النرويج، وتأمين دراجات هوائية يتركونها حالما تنقلهم داخل النرويج، لأن السلطات تفرض مواصفات خاصة على الدراجات في أراضيها. والدراجة أداة بعجلتين للحرية والتحرر والقوة. ونصيحتي كدرّاجي متمرس، لا تطمئن إلى معرفتك السابقة في سياقة الدراجة، ولا ترتبك وتهلع عندما تفقد توازنك وتسقط عنها. فسياقة الدراجات، كأي رياضة تحتاج إلى تمارين استعادة اللياقة، وعليك أن تكون مثل راقص الباليه، متيناً وليناً في آن. والتوتر في السياقة بأرض أجنبية أمر طبيعي، إلا أنها تظّلُ أفضل طريقة للاتصال بالأرض والبيئة والناس. وإذا كان خياط الملابس السوري «وليد جُمَيل» (35 عاماً) فَعَلها، فأنت أيضاً يمكن أن تفعلها، حتى إذا كنت في عمر المهندس ياسر (55 عاماً). و«كل ما أرى إنساناً راشداً فوق دراجة هوائية لا أعود أشعر باليأس من مستقبل البشرية»، قال ذلك الكاتب البريطاني المستقبلي «جي ويلز». ورغم أن عدد لاجئي الدراجات، والذي يُقدّرُ بالعشرات يومياً، لا يقارن بألوف لاجئي الزوارق المطاطية، فإنهم رسالة تحذير التقطتها الزعيمة الألمانية «ميركل» واعتبرتها «أكثر الخيارات التي تُجفل العقل، إذا حاولت الحكومات غلق الممرات عبر جنوب ووسط أوروبا». والنرويج ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي، لكنها كجميع بلدان الاتحاد موقعة على «اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين» وتتعهد بموجبها بتأمين الإقامة والعمل للاجئين الفارين من مناطق الحروب والنزاعات والكوارث. «حرب المهاجرين العالمية»، ذلك عنوان مقالة لي هنا قبل ثلاثة شهور، وفي الأسبوع الماضي سجّلَت تركيا التي تأوي أكبر عدد من اللاجئين، نصراً مثلثاً في هذه الحرب، حين منحها الاتحاد الأوروبي ثلاثة مليارات دولار لتغطية نفقات اللاجئين في أراضيها، وألغى سمة دخول الأتراك إلى أوروبا، وينظر مجدداً في قبول عضوية تركيا. وتعكس القرارات إدراك أوروبا بأنها لا يمكن أن تعيش في فقاعة. فالأوروبيون يمثلون 7% من سكان العالم، لكنهم يحصلون على ربع إجمالي المنتوج الإجمالي العالمي، وهم أفضل سكان العالم في تحقيق المساواة الاجتماعية. ويراهن اللاجئون بحياتهم، ويموتون بالمئات في محاولة دخول أوروبا. وهذا سبب التحرك الأوروبي أخيراً لإيجاد حل حقيقي لمشكلة سوريا والعراق وليبيا، وسيجدونه لأننا، حسب «بان كي مون» أمين عام الأمم المتحدة، «تعلّمنا عبر التاريخ البشري، ووجدنا في كل مسعى عظيم لرجال ونساء من شعوب عدة، أننا يمكن أن ننجز يومنا من خلال جدية الهدف والثبات. ونشبه في ذلك راكب دراجة، عليه أن يظل قائماً ويتحرك إلى الأمام، كي يحافظ على الزخم».