في الوقت الذي تشهد فيه إيران زيارات شبه يومية لوزراء وممثلي أكبر الشركات الأجنبية مع الوصول إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، ومساعي الحكومة الإيرانية لتهيئة الأجواء أمام الاستثمار الأجنبي عن طريق حزمة من التشريعات وإعادة دراسة بنود العقود وتحسينها بما يتلاءم وتحقيق مزيد من الاستثمارات. تفاجأ الداخل الإيراني مع جهود حكومة روحاني خفض التضخم ليصل إلى 15% بعد أن كان 40%، برسالة مقدمة من أربعة وزراء في حكومة روحاني يحذرون من تأزم الأوضاع الاقتصادية في إيران. نسير مع القارئ في هذا المقال لتناول أبعاد تلك الرسالة ومستقبل الاقتصاد الإيراني. جاءت أهم عناصر تلك الرسالة التي تقدم بها كل من وزير الاقتصاد ووزير الصناعة ووزير العدل ووزير الدفاع في التالي: يشهد سوق الاستثمار منذ ديسمبر 2013 تراجعاً كبيراً وغير مسبوق تحت تأثير عدد من التطورات الكبيرة الدولية والداخلية ومنها انخفاض أسعار النفط والسلع الرئيسية مثل المعادن، والعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، والسياسات المتضاربة لعدد من الأجهزة الحكومية. من أهم تجليات تراجع سوق الاستثمار خلال الفترة المذكورة انخفاض قيمة السوق وفقاً لمؤشر الأسعار بنسبة 42%. وانخفضت القيمة السوقية لسوق الاستثمار من نحو 155 مليار دولار في ديسمبر 2013 إلى نحو 100 مليار دولار في الوقت الحالي. يمكن أن يؤدي انخفاض القيمة السوقية للشركات المقيدة في البورصة إلى فقدان الطلب الكافي على المنتجات الأمر الذي يتسبب في تكدس البضائع في المخازن دون مشترٍ، ففي قطاع صناعة السيارات مثلًا يواجه هذا القطاع خطر الإفلاس بسبب أزمة السيولة بينما يتجاوز مخزون السيارات الراكد في المخازن 100 ألف سيارة، والأمر مماثل في قطاعات الفولاذ والنحاس والإسكان والإسمنت والتعدين. واختتمت الرسالة بالقول إن التخوف الحقيقي هو أن يتحول الاقتصاد الإيراني من حالة الركود إلى أزمة. كانت لهذه الرسالة أصداء في الداخل الإيراني بين منتقد لها لكونها جاءت في العلن وكان يتوجب بعثها بصورة سرية ما يفضي بالقول إن لها توجهات أخرى، وبين من قام بتحليلها ليخرج باستنتاجاته الخاصة. فوزير الاقتصاد في حكومة الرئيس الأسبق محمد خاتمي رأى أن هذه الرسالة أظهرت الخلافات داخل الحكومة. ورأى عضو هيئة ممثلي الغرف التجارية الإيرانية أسد الله عسكر أولادي أنه يتوجب على حكومة روحاني إعلان حالة الطوارئ لتجنب تفاقم هذه المشكلة نتيجة التباينات داخل الحكومة ومؤسساتها لمعالجة الاقتصاد الإيراني المتأزم الذي دفع بدوره لأن تبلغ نسبة الوحدات الصناعية الفاعلة في إيران حالياً إلى نحو 40% من إجمالي الوحدات الصناعية، وهو ما أكده مسعود خوانسري رئيس غرفة التجارة والصناعة والمعادن الذي أشار إلى أن النمو الاقتصادي في إيران كان سلبياً في النصف الأول من هذا العام وأدى ذلك إلى الركود الشديد جداً في الاقتصاد والذي لم يسبق له مثيل خلال السنوات الثلاثين الماضية حيث تشهد إيران كل يوم غلق أحد المصانع. تشكيل لجنة لمعالجة الوضع الاقتصادي وتحفيز الاستثمارات الأجنبية خطوات إيجابية ستأتي ثمارُها لاحقاً ولكن يبقى الوضع الاقتصادي في إيران في مواجهة العديد من التحديات في ظل مثلث العقوبات والفساد والبيروقراطية، وهو ما يجعل الكثير من الخبراء يؤكد على أن رفع العقوبات وحده ليس هو الحل السحري للمشاكل الاقتصادية التي تواجه إيران. وبالرغم من ذلك تعول حكومة روحاني على رفع العقوبات بوصفه منطلقاً لعودة الانتعاش وتحقيق مزيد من التقدم في المجال الاقتصادي الذي يعد المجال الوحيد أمام روحاني الذي يمتلك هامش حركة كبيراً مقارنة بالمجالات الأخرى داخلياً وخارجياً.