ليس هنالك أصعب من عقل مؤجر كأنه بيت قد يؤجره أي كان ويصنع به ما يشاء، فلو كانت عقول البعض في المجتمعات العربية والمسلمة لهم لما ظهرت أمثال «داعش» وغير «داعش». فالعقل الحر عقل غير قابل للتأجير والتضليل، ولا يسيّره إلا صاحبه، ولا يمكن بأي حال أن يمنح الحق لإضافة أو اقتلاع فكرة ما من الأذهان، ولذا فالعقول المؤجرة عقول مخدرة ماضية في تدمير خلاياها غير مدركة لخطورة أن تكون بلا عقل يخصك ويخصك وحدك دون أن تمنحه لأي كان. وحرية العقل كفيلة بصناعة مستقبل باهر وحياة تعج بالتفاصيل الإيجابية الفاعلة في حياة الآخرين، وقادرة على اجتراح مزيد من الإبداع كل يوم والذهاب نحو أقاصي الأفكار بلا حدود أو حواجز. وعندما يكون العقل حراً يكون أكثر جرأة لاستقبال الأفكار الجريئة خارج صندوق المعتاد ويذهب نحو آفاق لا تقلد أحداً ولا تصادر حق أحد في التفكير والتعبير عن الأفكار. فالحرية تبدأ من تحرر العقل من رتابة الواقع، من حقيقة تصور ذهني يصر على ألا يلتبس العقل بالسؤال وبحرارة تدافع الأفكار في مهدها. فالوأد الذاتي لا يستدعي دفن الأجساد تحت التراب، إنه وأد العقل تحت معادل التأثر بتفكير آخر غير ملائم، وتعطيل قدرة الإنسان على الفهم والإبداع. وهذا التحجيم من ملَكات العقل هو قاتل الإبداع الأول، هو المحاصر للحرية وتداعياتها الإبداعيه، فروح التقليد في التفكير لدى البعض هي العائق أمام أي تفكير إبداعي يغني الروح فناً وجمالاً. وكلمة عقل مؤجر، تعني عقلًا ميتاً مهملاً متقاعساً عن أداء دوره الحقيقي وهو التفكير، فالتفكير يحتاج دوماً إلى آفاق تحليق، إلى طيران في سماوات التفكير والتعلم بلا مواعيد هبوط وإقلاع، إنه بداية الحلم ونهاية الواقع حتى لو كان البعض يصرون على تحديد خطوط حمراء داخل أذهانهم لعدم التجاوز وصفراء للإنذار.. فلا أخضر يضاء.. ولا أبيض يعني صفاء الظن وصدقه! كيف نبحث عن الإبداع ونطالب به ونحن في بعض مجتمعاتنا العربية نحاصر عقولنا ونضعها في قوالب ذهنية جاهزة تحجم العقول، وتروضها دون أدنى مقاومة. لابد من وعي يعطي حق الحرية للعقل فلا الإعلام ولا المدرسة ولا البيت لأي منها الحق في مصادرة حق التفكير، فالطاعة العمياء التي قد يفرضها البيت وتغرسها المدرسة بعد ذلك تفرز هذا العقل المغفل والمستغفل حتى إشعار آخر. فالعقل الأسير لأفكار غيره عقل لا يستحق أن يدعى عقلاً، ربما دُعي رغيفاً أو منزلاً أو هاتفاً ذكياً، لكن ليس عقلاً بالمطلق. فحرية العقل واحترامها هي الباب الأول نحو التقدم إلى حياة حقيقية تضج بين جنباتها الأحلام والوقائع المتجذرة في أرض خصبة للأفكار والبحث عن فعل مختلف يقدر قيمة الإنسان وعقله الجبار الحر المجترح لكل المستحيلات.