لا زالت إدارة رئيسة كوريا الجنوبية «بارك جيون- هاي» التي فازت في انتخابات عام 2013، تسعى لتحقيق الهدف الذي تبنّته بتحسين العلاقات مع كل من الولايات المتحدة والصين والارتقاء بها إلى مستويات أعلى. ومن المعلوم أن العلاقات الأمنية بين البلدين تعود لأكثر من نصف قرن إلا أن «بارك» تعمل الآن على تطويرها نحو الأفضل. ومن بين القضايا الاستراتيجية المهمة التي تحظى باهتمام «بارك»، إعادة الاستقرار إلى شبه الجزيرة الكورية، والتصدي للتهديدات المتواصلة لكوريا الشمالية، وافتتاح سوق اقتصادية ضخمة في المنطقة. وهي تسعى بكل جهدها إلى العمل على تحقيق الظروف الملائمة لإعادة توحيد الكوريتين ووضع حدّ للحرب الباردة التقليدية الدائرة بين الجارتين وإعادة السلام بينهما. ومن الواضح أن الصين تمتلك مفاتيح الحل للمشكلة القائمة بين الكوريتين. ويسود هذا الاعتقاد الدول الغربية أيضاً، وهو يدفعنا إلى الافتراض بأن العلاقات الأميركية- الصينية، والعلاقات الكورية الجنوبية- الصينية، والخوف الصيني من انهيار سياسي مفاجئ للنظام والدولة في كوريا الشمالية، كلها من العوامل التي تأخذها الصين بعين الاعتبار عند معالجة القضايا المتعلقة بالشأن الكوري. وعلى أن هذه الافتراضات لم تأت دون قرائن تؤيدها، بل تستند إلى وقائع ماثلة على الأرض. أولها، أن الولايات المتحدة والصين هما اللاعبان الأكثر تأثيراً فيما يتعلق بتوزيع القوى في المنطقة، وتتمتعان بالقدرة على صياغة قانون دولي جديد. ثانياً، يمكن لتحسين العلاقات بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة أن يشجع الصين على أن تتحول إلى لاعب أساسي وغير متحيّز في معالجة الأزمة الكورية، وربما تنحاز ذات يوم إلى صف كوريا الجنوبية. وثالثها، أن انهيار النظام السياسي لكوريا الشمالية وما يمكن أن ينتج عنه من تدفق مفاجئ للاجئين، يمكن أن يؤثر بشكل كبير على الاستقرار والأمن الداخلي في الصين فضلاً عن احتمال اضطرار الولايات المتحدة لإرسال قوات برية إلى الحدود المشتركة بين الكوريتين. وعند النظر إلى جنوب شرق آسيا كنظام سياسي عضوي متكامل يتألف من مجموعة من الدول، فإن من الضروري الانتباه إلى أن «النظام» بحد ذاته قد يجعل من سلوكيات أحد لاعبيه سبباً في إحداث تأثيرات غير مرغوبة لبقية الأعضاء. ومن ذلك مثلاً أن الاستفزازات التي تمارسها كوريا الشمالية من دون توقف، وطموحاتها النووية التي لا يبدو أن لها حدوداً، أصبحت تشكل مصدراً للتوتر وعدم الاستقرار في المنطقة ذاتها وحتى في بقية العالم. ويضاف إلى ذلك أن كوريا الجنوبية تشعر بقلق كبير من تهديدات جارتها الشمالية، وهذا ما يدفعها لاستغلال كل الإمكانات الدبلوماسية المتاحة أمامها للحفاظ على السلام الهشّ في شبه الجزيرة الكورية. كما أن السياسة الأميركية العالمية المتعلقة بحظر انتشار الأسلحة النووية تعرضت لأذى شديد واختراق كبير بسبب الرفض المتواصل لنظام كوريا الشمالية للجلوس على طاولة المفاوضات. ونتيجة لذلك، يمكننا أن نتحدث الآن عن احتمال تنصيب نظام أميركي للدفاع الصاروخي في كوريا الجنوبية. والعامل الأساسي الذي يمكنه تفسير هذه الظاهرة هو الدعم المالي والسياسي الذي ما فتئت الصين تقدمه للنظام الكوري الشمالي عبر السنين. والآن، يبدو أننا نشهد لحظة تحوّل حقيقية في سياسة الصين حيال كوريا الشمالية. ويقف وراء هذا التحول أسباب استراتيجية عديدة، من أهمها أن الطموحات النووية الجديدة للرئيس الكوري الشمالي «كيم جونج- أون» ستخلق جواً سياسياً يبلغ من التوتر ما يكفي لدفع سيئول وواشنطن إلى الاتفاق على تنصيب صواريخ أميركية بالغة التطور في كوريا الجنوبية. ومن شأن ذلك أن يضعف الوضع الاستراتيجي للصين، ويزيد حدة التوتر في المنطقة. كما أن السياسة العدوانية الاستفزازية لكوريا الشمالية تشكل خطراً كبيراً على ظاهرة صعود النجم السياسي للصين على المستوى العالمي، والذي يحتاج إلى بيئة إقليمية تتميز بالهدوء والاستقرار. وأعتقد أن الوقت قد حان، والشروط قد تحققت، لتأسيس اتفاقية إطار ثلاثية الأطراف تضم الولايات المتحدة والصين وكوريا الجنوبية يمكنها أن تحقق مصالح الدول الثلاث والمنطقة كلها، وتعمل على التصدي للاستفزازات الخطيرة لكوريا الشمالية. يونج- جون تشونج أستاذ مساعد في الجامعة الصينية للعلاقات الدولية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تربيون نيوز سيرفس»