أظهرت دراسة نشرت في العدد الأخير دورية «لانست» (The Lancet) الطبية المرموقة، أن ثلث من هم دون سن العشرين حالياً من الذكور في الصين، سيلقون حتفهم مبكراً بسبب التدخين، إذا لم يقلعوا عن هذه العادة السيئة والمميتة. وبنَتْ الدراسة التي استغرقت 15 عاماً وشملت مئات الآلاف من الأشخاص، استنتاجها هذا، على التقديرات التي تشير إلى أن نحو مليون شخص لقوا حتفهم مبكراً بسبب التدخين في 2010، ولذا فإذا ما استمر الوضع كما هو عليه حالياً، يقدر أنه بحلول عام 2030 سيلقى مليونا شخص حتفهم مبكراً بسبب التدخين، وفي الوقت الذي نجد فيه أن أكثر من نصف الرجال في الصين مدخنون، فإن ثلث هؤلاء يبدأ التدخين قبل بلوغهم سن العشرين، ومن المعروف أنه كلما بدأ الشخص التدخين في سن مبكرة، واستمر فيه لفترة أطول، كلما كان وقعه أكبر وأضراره أعظم. ولا يختلف الوضع كثيراً في دول القارة العجوز، حيث تقدر الإحصائيات الصادرة عن المفوضية الأوروبية أن نحو 700 ألف أوروبي يلقون حتفهم سنوياً، بسبب أمراض ناتجة عن التدخين، وهو ما يعادل عدد سكان مدينة فرانكفورت الألمانية، أو مدينة باليرمو عاصمة جزيرة صقلية. وعلى صعيد التكلفة الاقتصادية يقدر أن تدخين منتجات التبغ وحدها يكلف نظم الرعاية الصحية لدول الاتحاد الأوروبي، أكثر من 25 مليار يورو، أي ما يعادل 110 مليارات درهم سنوياً. ومن المنظور العالمي، يمكن إظهار فداحة وباء التدخين الحالي، من خلال بعض الحقائق الأساسية والبسيطة، مثل: 1- أن التدخين يقتل نصف مستخدميه، بشكل مباشر أو غير مباشر. 2- يتسبب التدخين في وفاة 6 ملايين شخص سنوياً. 3- إذا لم تتخذ تدابير كافية لمكافحة التدخين، فسيرتفع العدد السنوي لقتلى التبغ إلى 8 ملايين بحلول عام 2030. 4- يعيش 80 في المئة من المدخنين -البالغ عددهم مليار شخص- في الدول الفقيرة، والدول متوسطة الدخل، حيث تنخفض معدلات الرعاية الصحية للأمراض الناتجة عن استخدام التبغ، ويصعب إيصال رسائل التثقيف الصحي بشكل فعال. 5- يتزايد عاماً بعد آخر حجم الاستهلاك العالمي من التبغ، وإن كان حجم هذا الاستهلاك يتراجع في الدول الغنية وشبه الغنية. وأمام هذا الفاقد الإنساني والاقتصادي الفادح بسبب التدخين تتعدد الطرق والبرامج التي تسعى لمساعدة المدخنين على الإقلاع، وبعضها يعتمد على الأدوية والعقاقير الطبية، أو على بدائل النيكوتين، من لصقات، أو علكة، أو سجائر إلكترونية، أو على المساعدة والدعم النفسي من خلال برامج متخصصة، وبعضها الآخر تدخلات مجتمعية شاملة، أو ضمن نظام الرعاية الصحية. وإن كان على ما يبدو أن رفع سعر منتجات التبغ، من خلال الضرائب، يعتبر من أكثر تلك الوسائل فعالية. فمن أسباب دعم وتأييد العاملين في مجال الصحة العامة لزيادة الضرائب المفروضة على منتجات التبغ، أن دراسات عديدة قد أظهرت أن هذه الزيادة ينتج عنها انخفاض مماثل في معدلات التدخين، حيث تنتهج العلاقة بين سعر منتجات التبغ ومعدلات التدخين، المفهوم الاقتصادي المعروف بالمرونة الاقتصادية أو مقدار الاستجابة (Economic Elasticity)، بمعنى أنه كلما عظمت الضرائب المفروضة على منتجات التبغ، كلما قل وانخفض عدد السجائر المبيعة والمستهلكة، وتأخذ هذه العلاقة العكسية أقوى صورها بين المراهقين والمدخنين صغار السن خاصة، فمع كل زيادة بمقدار 10 في المئة في سعر علبة السجائر تنخفض معدلات التدخين بين هذه الفئة العمرية بمقدار 7 في المئة. وإن كان مثل هذا الإجراء، على فعاليته، يصطدم أيضاً بحقيقة أخرى، هي أن الضرائب على منتجات التبغ، تشكل مصدر دخل مهماً لخزائن العديد من الدول، ما يجعل خفض معدلات التدخين إجراء ضاراً بالميزانية العامة. فعلى سبيل المثال، تجني الحكومة الصينية نحو 67 مليار دولار سنوياً (246 مليار درهم) من حصيلة الضرائب على التبغ، عند مستويات استهلاكه الحالية، ولذا، سيؤدي رفع الأسعار، وما ينتج عنه من خفض الاستهلاك، إلى تراجع الحصيلة النهائية، وهو ما لا يلقى الكثير من الحماس لدى بعض مخططي الميزانية الحكومية السنوية في الصين، وإن كان هؤلاء يتجاهلون حقيقة أنه على رغم حجم الحصيلة الهائلة للضرائب على التبغ عند معدلات استخدامه الحالية، إلا أن التكلفة الاقتصادية الناتجة عن آثاره السلبية، في شكل نفقات هائلة لعلاج الأمراض المزمنة المصاحبة للتدخين، ومن خلال الفاقد الإنساني الاقتصادي المتمثل في هدر جزء لا يستهان به من القوة البشرية العاملة والمنتجة بسبب الوفيات المبكرة، تبلغ أيضاً، في المقابل، أضعاف الحصيلة المالية للضرائب الحالية على التدخين.