قطع اليمن مؤخراً علاقاته الدبلوماسية مع إيران وطرد سفيرها وأغلق بعثته الدبلوماسية في طهران، وقبل ذلك طردت البحرين القائم بالأعمال الإيراني واستدعي السفير البحريني من طهران رداً على تدخل إيران السافر في شؤون البحرين، وتدريب وتسليح خلايا بحرينية دبرت عمليات إرهابية نجم عنها مقتل 16 من رجال الأمن البحرينيين وجرح 3000 شخص، حسب الشكوى التي قدمها وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة للأمين العام للأمم المتحدة. ويتعين أن تكتسب هذه المواقف العربية والخليجية في التصدي لإيران وتدخلها في الشؤون العربية، زخماً لتشكيل حالة أوسع تبني على الموقف العربي المستاء من الاصطفاف الإيراني الكامل بكل صلف ومعاداة للأمن القومي العربي، وخاصة بالانحياز الفاضح لنظام الأسد الذي يوغل في إبادة وتشريد شعبه، وآخرها التنسيق والتعاون مع روسيا في سوريا. وبذلك تفقد إيران ما تبقى من رصيدها المتراجع في عقول وقلوب العرب الذين لم تعد تنطلي عليهم شعاراتها حول قيادة «محور المقاومة» ودعم «المستضعفين» والمظلومين والوقوف ضد الظلم! والحال أن التصدي العربي لمشروع إيران وتعريته في العقل الجماعي لأغلبية العرب يُرسّخ مفهوماً عاماً بأنها في حالة اشتباك مع جل العرب، وهذه ليست مبالغة بل حقيقة واضحة يشاهدها ويتابعها المواطن العربي، ويرى أثرها بوضوح في سوريا والعراق ولبنان واليمن والخليج، ?وبذلك ?تفقد إيران الورقة ?التي ?لطالما ?استغلتها في متاجرتها ?بالقضية ?الفلسطينية. والأهم أن تفقد طهران أحلام تصدير وتعميم نموذج النظام الإيراني بينما الواقع أنها ليست ?نموذجاً ?ناجحاً ?ومقنعاً ?يتمنى ?أي ?من ?الشعوب ?في ?العالمين ?العربي ?والإسلامي ?تعميمه ?أو استيراده، ?وبهذا ?تفقد ?طهران ?القوة ?الناعمة ?وقوة ?التأثير ?التي ?روّجت ?لها، ?وقد فتحت ?المكاتب ?الثقافية ?واستضافت ?المؤتمرات ?للترويج ?لفكرها ?ونموذجها ?ومذهب ?«ولاية ?الفقيه»، ?فإذا ?بها ?تشهد ?ضرباً ?لمشروعها ?ولحلفائها ?المنتكسين، ?ولنموذجها ?المتعثر، ?ولرسالتها ?التي ?انفض ?كثيرون ?من ?حولها. وقد بات واضحاً اليوم أن إيران لم تعد نموذجاً قابلاً للتصدير والتعميم، ومن هنا فإن تشكيل حالة عربية عامة تقتنع بأن الخلاف والتباين والتهديد الإيراني ليس حكراً على الدول الخليجية، التي ربما يرون أن البعض فيها قد يبالغون في عدائهم لإيران بسبب ما يمكن تسميته «الإيرانوفوبيا»، من شأنه أن يعزز عزل وحصار إيران وانهيار صورتها في العقلية العربية. وقد شهدت شعبية إيران تراجعاً كبيراً في السنوات الماضية في الدول العربية والإسلامية، وهذا ما أكدته دراسة علمية لاستبيان رأي أجري في دول عربية وإسلامية، وأخرى أجنبية بما فيها الولايات المتحدة ودول أوروبية واليابان، وكلها سجل فيها تآكل وتراجع للنظرة الإيجابية إلى إيران، وحتى إلى الرئيس الإيراني الإصلاحي حسن روحاني. وقد أكد استبيان‎ «?بيو ?ريسرش»، وهو مركز ?دراسات ?أميركي ?متخصص ?في إجراء ?استطلاعات ?الرأي ?والاستبيانات ?العلمية، أن «?النظرة ?العالمية ?لإيران ?في معظمها ?سلبية». وأغلبية المشاركين في استطلاع مركز «بيو» عبروا عن نظرة سلبية تجاه إيران في 31 من 41 دولة شملها الاستطلاع. وقد طغت النظرة السلبية تجاه إيران في معظم الدول العربية والإسلامية التي شملها الاستطلاع، وتراجعت بحدة النظرة الإيجابية إليها. ويأتي تراجع شعبية إيران الكبير، بسبب دعمها غير المحدود لنظام الأسد ضد ثورة الشعب السوري، والاستمرار في دعمه على رغم الجرائم التي ارتكبها وحرب الإبادة والتهجير والقتل المذهبي الذي يقترفه. وبعد أن كان الدعم مستتراً أصبح مكشوفاً وعلنياً، بمشاركة «الحرس الثوري» و«فيلق القدس» ودعم وإقحام المليشيات الشيعية الطائفية من العراق، و«حزب الله» من لبنان. واليوم تبدو إيران وقد خسرت الكثير من رصيدها وفقدت مصداقيتها وهي تخسر معركة العقول والقلوب في عيون الشعوب العربية والإسلامية. هذا مع أن إيران كانت تزعم التصدي للظلم والقمع ونصرة المستضعفين في العالم، وفي المادة 154 من الدستور الإيراني يرد: «تعتبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية سعادة الإنسان في المجتمع البشري كله قضية مقدسة لها، وتعتبر الاستقلال والحرية وإقامة حكومة الحق والعدل حقاً لجميع الناس في أرجاء العالم.. ودعم النضال المشروع ضد المستكبرين في العالم» ما يعني أن «تصدير الثورة» واجب مقدس! واللافت في استطلاع رأي مركز «بيو» أن تراجع المؤشرات الإيجابية لإيران وانهيار شعبيتها ليسا في الغرب فقط بل في معظم دول الشرق الأوسط، وفي بقية الدول العربية والإسلامية الأخرى. وكذلك تراجعت النظرة الإيجابية للرئيس روحاني في الذكرى الثانية لانتخابه رئيسا محسوباً على الإصلاحيين في إيران، دون أن ينجح في توظيف النهج الإصلاحي في تحسين صورة بلاده في محيطها الخليجي والعربي والإسلامي والدولي. وقد يكون التوصل لاتفاق نووي من نتاج ذلك الفكر الإصلاحي. ولكن عندما ندرك أن القرار حول النووي الإيراني ليس من اختصاص روحاني بل المرشد الأعلى علي خامنئي.. يتلاشى ذلك الاعتقاد المبالغ فيه بأن للرئيس الإيراني أي دور في الشؤون الخارجية والأمنية. وزيادة على النظرة السلبية لإيران في الدول العربية، وقطع العلاقات وطرد السفراء والدبلوماسيين الإيرانيين، لا تحقق دعوات الحوار مع إيران أيضاً الاختراق المطلوب، لأن دافع طهران مشروع إقليمي وليس علاقة دبلوماسية يمكن تعديلها. ولهذا فإن على الأطراف المتضررة من مشروع إيران توحيد مواقفها وكشف خطط طهران لتصبح جبهة عربية موحدة تتصدى لها وتحبط مشروعها وتدخلاتها في الشؤون العربية.