هل أنضجت تجارب «الربيع العربي» في مختلف هذه الدول الجماعات الإسلامية، وبخاصة فكرها السياسي؟ هل تخلّوا مثلاً عن أشكال البناء الوطني والإقليمي القائم على التصورات الدينية الخاصة والقوالب الموروثة؟ كلا في الواقع، فلا تزال للإسلاميين، من «الإخوان» وحزب «التحرير»، إلى تنظيمي «داعش» و«النصرة»، ومن قبلهما بالطبع «القاعدة»، مواقف إما معادية أو غير متعاطفة مع ركنين من أركان الاستقرار السياسي والتقدم، وهما «الدولة الوطنية» و«النظام الديموقراطي». ولم يمتلك التيار الديني في دول عربية رئيسة أن يناقش تجربته وينتقد أفكاره ويطرح بدائل عصرية جديدة تناسب ما تجابه مصر وشمال أفريقيا والسودان والمشرق العربي من تحديات سياسية وسكانية واقتصادية وغيرها، ولا تزال جماعات هذا التيار ملتفة حول كتب وزعامات.. غريبة عن العصر! يتحدث «الإخوان المسلمون» مثلاً عن ضرورة عودتهم ومشاركتهم في بناء مصر القادمة. والمشاركة بالطبع حق ديموقراطي للجميع، ولكن «الإخوان» لا يريدون التخلي عن «التنظيم الحزبي السري» لعملهم، والذي أقل ما يقال فيه إنه يتعارض مع الديموقراطية الحديثة. وعندما كان محمد مرسي في السلطة بعد أن انتخبه ملايين المصريين، لم يكن مطلق اليدين في رسم سياسة البلاد والتخطيط لمستقبلها، بل حتى في استخدام خبرته الشخصية في أي جانب من جوانب تطوير البلاد. ذلك أن حزباً سرياً عمره أكثر من ثمانين سنة، يدّعي أنه يملك الفهم الناضج الشرعي الوحيد، كان قابعاً في الظل، يتابع التطورات من علٍ، ويقول للرئيس ما يفعل وما يترك. وعندما أطلق حزب الإخوان العنان لحساباته ومخاوفه ورغبته العارمة في الانتقام، وفي «الأسلمة» و«التمكين» و«الأخونة»، أعلن الشعب المصري عن غضبه الشديد، وباتت مصر على حافة حرب أهلية. إن العلنية في العمل والتحرك والتمويل والقيادة وانفتاح المجال لكل المواطنين لدخول أي تشكيل سياسي والخروج منه، من أهم شروط المساهمة في بناء الديموقراطية والحياة السياسية. ولا تتصف جماعة «الإخوان» وعموم الحركات الإسلامية بشيء من الشروط المذكورة، مما يجعلها كذلك في تناقض مع الدولة الوطنية. ولا يستقر النظام الديموقراطي إلا في دولة وطنية تضم أحزاباً تتنافس فيما بينها على ثقة المواطنين الذين يحملون جنسية هذه الدولة. ومن الناحية الأخرى، يسعى الحزب الذي يصل إلى السلطة إلى تعزيز مصالح الدولة الوطنية التي منحت أغلبية المواطنين فيها ثقتها، ولا يجوز أن يكون للحزب السياسي في الدولة الوطنية انتماءات خارج نظام هذه الدولة. ويضيف د. صفي الدين خربوش، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة، «لقد أثبتت تجربة السنوات الثلاث ونصف السنة الأخيرة أن ذوي الاتجاهات الإسلامية في المنطقة العربية لم يصلوا بعد إلى اقتناع بأولوية الدولة الوطنية، ولم يصلوا بعد إلى الاقتناع بأن النظام الديموقراطي يعني التنافس على قواعد عادلة، وإتاحة الفرصة أمام جميع القوى للسعي للحصول على ثقة المواطنين، بما يتضمنه ذلك من التداول السلمي للسلطة بين هذه القوى المتنافسة في إطار الدولة الوطنية التي تضم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الانتماءات الدينية، والطائفية، والعرقية، واللغوية، وغيرها. ومن ثم سارت القوى الإسلامية، بعد تغيير بعض النظم القومية، في الطريق نفسه الذي سارت فيه القوى الإسلامية في إيران، والسودان، وفي غزة فيما يتعلق بعدم احترام المسار الديموقراطي فيما يتضمنه من تداول سلمي للسلطة». أُتيحت للإسلاميين في الواقع سنوات طويلة لدراسة إخفاق التجارب العربية النخبوية والنظرية منها.. والجماهيرية الشعبوية. ولكن الجماعات الإسلامية كانت ولا تزال أفقر الحركات العربية في الثقافة السياسية وأقلها بروزاً في ميادين البحوث التاريخية والدراسات السياسية ونقد التجارب. ولا غرابة في هذا على الإطلاق، فهم قليلو العطاء حتى في مجال الدراسات والبحوث الإسلامية واللغوية وفي الإبداع الأدبي عموماً والعطاء الفني، كما ذكرنا مراراً. ولا نعلم اليوم علم اليقين إنْ كانت نجاحات وإخفاقات «الربيع العربي» ستحظى بأي دراسة عميقة في هذه الجماعات وإن كان مثل هذا الاهتمام مستبعداً للطبيعة الفكرية والحركية والغيبية لمثل هذه الأحزاب. كاتب ومفكر- الكويت