تحسين العلاقات مع دول الجوار سياسة اختارها رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" لتمثل حجر الزاوية في صلب السياسة الخارجية الهندية منذ وصل إلى السلطة، إلا أن جهوده لتحسين العلاقة مع نيبال، وهي الدولة المهمة التي تفصل بين الهند والصين، واجهت نكسات جدّية عقب إعلان نيبال عن دستورها الجديد. وهذا الدستور الذي يُقسم البلد إلى عدد من الأقاليم، أدى إلى اندلاع تظاهرات احتجاجية للمجموعات الإثنية ذات الأصل الهندي التي شعرت بأنها لم تحظَ بما تستحقه من تمثيل سياسي. ورأى بعض النيباليين أنه إعلان رسمي بأن نيبال أصبحت تشكل فيدرالية علمانية. ونظمت المجموعات العرقية ذات الأصل الهندي، التي تستوطن الشريط الحدودي الفاصل بين نيبال والهند، تظاهرات احتجاجية طالبت من خلالها بأن تعود نيبال إلى وضعها السابق كدولة هندوسية. وتستوطن تلك الأقوام السهول والبطاح الجنوبية من نيبال المتاخمة للحدود مع الهند. وكان من أسباب اندلاع هذه التظاهرات رسالة هندية شديدة اللهجة لجارتها الصغيرة تدعوها فيها إلى التعجيل بالبحث عن الحلول السياسية التي تضمن تهدئة المجموعات الإثنية ذات الأصل الهندي. ومما زاد المواقف تعقيداً، تصريح وزير الخارجية الهندي من أنه يتوجب على نيبال «أن تعالج هذا الخلاف بانتهاج أسلوب خالٍ من الترهيب، وبطريقة تحظى بقبول الجميع فيما يتعلق بملكية الأراضي الحدودية والقبول بها». وكان من الواضح أن هذا التصريح يعبر عن عدم رضى الحكومة الهندية عن الدستور النيبالي الجديد بالرغم من أن نيودلهي كانت من مؤيدي النظام الديمقراطي الذي ظهر في ذلك البلد بعد سقوط العهد الملكي. وقبل بداية الأزمة، سارعت الهند لابتعاث وزير خارجيتها إلى كاتماندو (عاصمة نيبال)، لحثّ الحكومة النيبالية على ضمان الحصول على إجماع الآراء قبل الإعلان عن دستورها الجديد. ولكنّ الحكومية النيبالية لم تكتفِ بإهمال نصيحة نيودلهي عندما سارعت إلى إعلان دستورها الجديد، بل تجاهلتها تماماً. وبدلاً من الإعراب عن ترحيبها بالدستور الجديد الذي حظي بتأييد أغلبية أعضاء «الهيئة الدستورية النيبالية»، أعلنت الهند عن «قلقها البالغ» من هذا التطور. واعتبر المسؤولون في نيبال الموقف الهندي بأنه يمثل تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية لبلدهم. وأدى هذا الاختلاف في وجهات النظر إلى اندلاع مشادات وتظاهرات بدعم من الأحزاب السياسية والمنظمات الطلابية في عموم نيبال. إلا أن الشيء الذي أساء لسمعة الهند هو منع عبور الشاحنات التجارية من الهند إلى نيبال التي تنقل البضائع ذات الاستخدام اليومي في نيبال وناقلات النفط، الذي يعد عصب الحياة للمواطنين، وفيما قالت مصادر هندية رسمية: إن توقيف حركة الشحنات كان بسبب المظاهرات الحاشدة في الجانب النيبالي، قالت مصادر نيبالية: إن التوقيف يندرج ضمن إطار حصار اقتصادي تفرضه الهند من أجل تكثيف الضغط على نيبال للتراجع عن دستورها الجديد. وبالرغم من أن نيودلهي أنكرت مراراً وتكراراً مسؤوليتها عما يحدث، فإن ما من أحد في نيبال يصدق الرواية الهندية بما في ذلك الصحافة المحلية. ولا شك أن طريقة تعاطي الحكومية الهندية مع الأزمة النيبالية تشكل تعبيراً واضحاً عن أن نيبال لا تندرج ضمن اهتماماتها الكبرى، وخاصة بعد ما اتضح من أنها كانت سبباً في استثارة المشاعر المعادية للهند. ولا بدّ من التعامل مع هذه الأزمة بكل تفاصيلها بحذر أكبر، وذلك لأن من الواضح أن ردة الفعل الهندية الرسمية حول إصدار الدستور النيبالي الجديد كانت عنيفة جداً وتتعارض مع الأهداف التي يسعى إليها رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي منذ بداية تسلمه لمنصبه عندما أعلن عن اهتمامه بتوطيد العلاقة مع نيبال وقام بزيارة إلى كاتماندو قدم خلالها قرضاً بمبلغ مليار دولار. وكانت هذه الزيارة متبوعة باستجابة هندية سريعة لمساعدة منكوبي الزلزال الذي ضرب نيبال، وآثر «مودي» الإشراف بنفسه على تنظيم قوافل الإغاثة. والآن، وفي وقت تتواصل فيه المظاهرات المعادية للهند في نيبال، يكون من الأهمية بمكان بالنسبة للهند، إعادة النظر في موقفها والتأكيد لشعب نيبال بأن اهتمامها الأكبر يكمن في استقرار جارتها الصغيرة التي تعتمد في اقتصادها على الهند. والمطلوب من الهند أيضاً أن تعيد النظر في قرارها بوقف شحن المواد الغذائية والوقود إلى نيبال وأن تعمل على إعادة العلاقات الهندية- النيبالية إلى وضعها الطبيعي. ـ ـ ـ ــ مدير المركز الإسلامي الهندي- نيودلهي