جاء الصحفي البريطاني الشهير روبرت فيسك الذي يعتبره كثيرون حجة ومرجعاً في أمور عالمنا العربي الذي قضى فيه حتى الآن أكثر من ربع قرن، مراسلاً لصحيفة «الاندبندت»، في زيارة إلى كندا بدعوة من جماعة كندية باسم «سلام سوريا». قدم فيسك محاضرتين حول الأزمة السورية، أولاهما في «جامعة كالجراي» (وفي كالجراي، عاصمة الغرب الكندي، توجد جماعة كبيرة من المسلمين الكنديين)، والثانية في جامعة تورنتو، وقد حُظيت بحضور كثيف ومتنوع. تحدث «فيسك» في كلا المحاضرتين عن الأزمة السورية، واصفاً إياها بـ «الحرب بالوكالة» التي يخوضها خليط من الناس، حصة السوريين فيه هي الأقل عدداً وعدة. وتحدث عن تنظيم «داعش» قائلا إنه ليس تنظيماً إسلامياً متشدداً كما نصفه، وإنما هو عصابة من المغامرين والقتلة وطلاب الثأر السياسي، جمعت بين دعاة الجهاد الإسلامي وعسكريين بعثيين من بقايا الجيش العراقي السابق، وبعض الشباب القادمين من الغرب. تحدث فيسك عن السياسة الأميركية في العالم العربي، ووصفها بالفشل التاريخي المتكرر، وخلص إلى أن صناع هذه السياسة لم يدركوا حتى اليوم سبب فشل المحاولات الغربية الرامية إلى صناعة عالم إسلامي عربي تقدمي على النمط الأميركي أو الأوروبي، لأن الأزمة الحقيقية بينها وبين شعوب ذلك العالم ستظل قائمة ما دامت الإدارات الأميركية المتعاقبة منحازة إلى إسرائيل على حساب الفلسطينيين والعرب. وفي إجابة على سؤال عن رؤيته لإمكانية حل الأزمة السورية وإيقاف الحرب وتحقيق سلام في سوريا، قال فيسك: «إنها حرب خاسرة لجميع الأطراف المشاركة فيها، ولن يحقق طرف فيها ما يريده، وهي حرب مكلفة ومدمرة لسوريا وشعبها، وإن إدارة أوباما وهي في آخر سنواتها الرئاسية، أدركت ما سبق أن كرره (فيسك) وغيره من الكتاب، من أن السياسة الأميركية في العالم العربي فاشلة منذ خمسينيات القرن الماضي. والآن، سواء بالنسبة للأميركيين أو الأطراف الأخرى التي شجعت ودعمت المعارضة السورية ضد الرئيس بشار الأسد وراهنت على إسقاطه في أشهر معدودة، فهم جميعاً يدركون الآن أن تلك المعارضة لم تعد اللاعب الأساسي في المسرح السوري وإنما الكفة الأرجح اليوم لـ «داعش»، وأن الأطراف الأخرى لم يعد لها وجود مؤثر في الحرب». والحل الآن في نظر فيسك -وسيحدث بالفعل وفقاً لتوقعه- يكمن في عقد صفقة بين الأطراف الأكثر تأثيراً في الواقع الحالي، الولايات المتحدة وروسيا وإيران وبعض الدول العربية المؤثرة، بموجبها يُلزم كلُّ طرف حلفاءه في الساحة السورية بإيقاف القتال والركون إلى السلم. أما الحديث عن إقصاء الأسد فهو غير واقعي، والأميركيون يعلمون أن وجوده في المرحلة الانتقالية ضروري، وروسيا لن تقبل إقصاءه. والحقيقة أن روسيا لا تدافع عن الأسد ونظامه، بل عن مصالحها الوطنية العليا، كما تفعل أميركا. والوجود الروسي في اللاذقية قديم وسابق على ميلاد بشار الأسد وعلى وصول والده إلى السلطة. وأكثر من ذلك، فإن روسيا الآن ترى أن تمدد «داعش» يمثل خطراً على أمنها القومي. والتطور في الموقف الروسي والضربات الجوية ضد «داعش» (وقد تصيب بعض فصائل المعارضة الأخرى)، هي رسالة واضحة يعرفها الأميركيون، وعلى الأطراف العربية إدراكها. أما مأساة اللاجئين السوريين، فوصفها بأنها «وصمة عار في جبين الإنسانية المعاصرة، ستلاحقها لو لم يجد لها المجتمع الدولي حلاً يحفظ للسوريين الكرامة والأمن». *كاتب سوداني مقيم في كندا