في اعترافين صريحين ومفاجئين خلال الأسابيع القليلة الماضية أشارت القيادة المركزية الأميركية إلى أن جهداً أميركياً بقيمة 500 مليون دولار لتدريب وتجهيز قوات الثوار السوريين قد باء بالفشل. إذ لم يبق سوى أربعة أو خمسة مقاتلين من قوة كان يُتوقع أن يبلغ تعدادها 3 آلاف يحاربون تنظيم «داعش»، كما أن معظم الذين تلقوا التدريب ربما يقاتلون ضمن صفوف الجانب الآخر حاليا. وإلى ذلك، ثمة كمية مهمة من المعدات العسكرية الأميركية التي مُنحت للثوار، وباتت بأيدي مقاتلي «القاعدة». لذلك باتت الولايات المتحدة اليوم أسوأ حالًا مما كانت عليه قبل شروعها في تدريب الثوار. ويُبرز ذلك الفشل إلى أي مدى سيكون التقدم ضد «القاعدة» و«داعش» صعباً من دون نشر جنود أميركيين في الميدان، كما يُظهِر عيوباً جوهرية في الفكرة القائلة بأننا نستطيع زرع قدرات أميركية ضمن قوات أجنبية لتحقيق أهدافنا. فمهمات التدريب والتجهيز ضمن برامج «المساعدة الأمنية» لبعض القوات الأجنبية تقوم على نظرية تتبناها الحكومة الأميركية ومفادها أن ضرر التدخلات العسكرية المباشرة يكون أكبر من نفعها أحياناً، وأن الطرق غير المباشرة قد تكون أنجع وأفضل. غير أن الفوضى الحالية في العراق وسوريا تشير إلى أن هذه النظرية لا تنجح إلا في ظروف خاصة جداً، حين لا تكون الدول بحاجة سوى لبعض المساعدة. هذا بينما تفشل هذه الإستراتيجية في أكثر الأماكن اضطراباً، حيث نميل للرغبة في فعل شيء ما. إنها تفشل أولا وقبل كل شيء لأنها تعتمد على اصطفاف مصالح نادرا ما يوجد بين واشنطن ووكلائها. ذلك أن معظم أوضاع المساعدة الأمنية تميل إلى أن تكون قصيرة النظر ومبنية على صفقات في الغالب. فالولايات المتحدة، مثلا، ليست لديها علاقات طويلة المدى مع الثوار السوريين، ولا مع الجيش والشرطة العراقيين، فمصالحنا تلتقي فقط من حيث كوننا جميعاً نسعى للقضاء على «داعش»، لكن حتى حول هذه النقطة، هناك خلافات بخصوص الحد الذي نحن مستعدون لبلوغه. لذلك عندما تتعرض ولاءات الثوار السوريين المدرَّبين أميركياً للاختبار، فإنهم يختفون، وبعضهم ينضم لأعداء سابقين. المشكلة الثانية أن إستراتيجية المساعدة الأمنية تولي قدراً كبيراً من الأهمية لنجاح وفعالية الأنظمة والقدرات العسكرية الأميركية، مفترضةً أنها لوحدها كافية لتحقيق النتائج التي نريدها ووكلاؤنا الأجانب؛ فعندما تكون في أيد أميركية، تنجح تلك الأسلحة المتطورة لأنها مدعومة من قبل آلة عسكرية أميركية معقدة. غير أن هذه الآلة يستحيل استنساخها، وخاصة خلال مهمة قصيرة الأمد أو أزمة على غرار ما يحدث في سوريا. أما المشكلة الثالثة بخصوص المساعدة الأمنية، فهي أنها يمكن أن تزيد اضطراب أوضاع مضطربة أصلاً وتسبب إضراراً بالمصالح الأميركية. على غرار ما حدث في سوريا، قد ندرب جنوداً ينتهي بهم الأمر للقتال ضمن صفوف الطرف الآخر أو توفير معدات للعدو. إن الولايات المتحدة تختار في أحيان كثيرة المساعدة الأمنية بسبب رغبتها في فعل شيء ما خلال أزمة من الأزمات، لكننا نفشل في هذه الجهود، مثلما حدث في سوريا، لأننا نتوقع منها الكثير: أن يحقق الآخرون ما نريده وما لا نرغب في القيام به! فيليب كارتر ضابط سابق في الجيش الأميركي وباحث بـ«مركز الأمن الأميركي الجديد» في واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»