ملف سوريا الذي طال كثيراً، إذ يكمل الآن أربعة أعوام ونصف العام، يستحق نقاشاً عربياً ودولياً معمقاً، فالتطورات التي حدثت مؤخراً والمتمثلة في الضربات الجوية الروسية بغطاء أرضي من القوات الإيرانية وميليشيا «حزب الله» اللبناني، فتحت الباب للعديد من الاحتمالات المقلقة، بعضها لم تكن تخطر على بال المراقبين، مثل التنسيق الأميركي الروسي والتحرك الإيراني «الفج». حتى وقت قريب كنا نعتقد أنه يمكننا «التلاعب» على التنافس الإستراتيجي للقوى الكبرى في العالم. لكن ما نشهده حالياً يؤكد فكرة المقولة التاريخية: السياسة لا تعترف إلا بالمصالح! والحقيقة أن الملف السوري مرت عليه موجات من الصعود والهبوط في ناحية الاهتمام العربي، ربما نتيجة للوضع السياسي العام العربي الناتج عما كان يعرف بـ«الربيع العربي»، فرغم أن القضية السورية وضعت ضمن أولويات السياسة الخارجية العربية، فإنه لم تكن هناك رؤية واضحة تعبر عن إستراتيجية عربية لحل القضية وإنهائها قبل أن تتطور بهذا المشهد «التراجيدي»، بل إن الاختلافات العربية حولها تسببت في إثارة القلق حول مستقبل هذه الدولة، حينما وصل الحديث إلى إمكانية تقسيمها طائفياً، مما يوحي بالنفس الإيراني في التفاصيل التي أمنت في هذه الحرب مقاتلين شيعة من باكستان وأفغانستان والعراق للقتال في سوريا. يستطيع المراقب أن يلخص الموقف العربي بأنه رغم كثافة الوجود الإعلامي والتعاطف الإنساني حوال لقضية السورية فإن العرب لم يكونوا فاعلين فيها، بل إن إيران والحركات المتطرفة هما أصحاب الدور الأكبر، فقد قام قاسم سليماني، مؤخراً، بزيارة إلى روسيا قابل فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكانت النتيجة ما نراه من قصف جوي بشع ضد مدن الشعب السوري، هذا فيما يبقى الكلام عن أن الهدف هو القضاء على تنظيم «داعش»، موضع شك، لأن نسبة الضربات الموجهة إليه قليلة. أظن أن أهم نقطة في وضع رؤية عربية لسوريا حالياً وللعرب جميعاً مستقبلاً، هي الإدراك بأن عهد الاعتماد على أي قوة عالمية أو إقليمية في إيجاد حلول لمشاكل عربية سيؤدي إلى خسائر إستراتيجية عربية طالما أن الذي يحكم العلاقات الدولية هو المصلحة وليس المثل العليا. أقول ذلك، بعدما لاحت مجموعة من المواقف الدولية والعربية، بعضها حديث، وبعضها قديم (اتفاقية سايكس بيكو)، لكنها كلها دلت على أن جميع القوى تتفق على العرب. لم يعد ينفع الحلفاء التقليديين مثل الولايات المتحدة وروسيا، ولا الشركاء الإستراتيجيون الجدد مثل الهند والصين، فقد أثبتت الأيام أن الكل يبدو مضراً في حالة تضاربت مصالحه معك، ويبقى الأقل ضرراً من تكون بينه وبينك مسافة تحافظ فيها على المصلحة المتبادلة. وقد ثبت هذا خلال الأزمات التي مرت على الدول العربية، الولايات المتحدة تخلت عن نظام حسني مبارك، وفرنسا رفضت مساعدة بن علي في تونس والقذافي في ليبيا، وإيران تخلت عن المالكي، واليوم تتحرش إيران بتركيا الجار الذي قدم لها مساعدة أثناء العقوبات الدولية. سوريا واحدة من الدول العربية «المحورية» التي كانت تشكل ذات يوم مثلثاً إستراتيجياً إلى جانب مصر والعراق، أي أنه كان لها ثقلها الإقليمي والدولي، وكانت ترجح كفة العرب في قضايا عديدة، وقد وقفت بجانب الحق الكويتي أثناء غزو نظام صدام حسين، قد يكون نظام بشار هو من «باع» الدولة السورية لإيران، أما سوريا فهي عمق عربي يستحق الوقوف معه لأن انقسامها أو سقوطها، كما حدث للعراق في يد إيران، يجعل الحديث عن دور عربي فعال في المستقبل أمراً غير وارد!