إيران دولة مسلمة شقيقة وجارة ولشعبها كل الاحترام والتقدير، أما بعد فهي بكل تأكيد دولة لا يمكن الوثوق بها، وإنْ قلنا من باب الدبلوماسية وحسن الجوار أنها ليست عدواً، فهي حتماً تتصرف كواحد في ظل الحكم الطائفي التمييزي الحالي وسجلها السيئ للغاية في التوسع الاستيطاني مادياً ومعنوياً وفكرياً ومذهبياً وإثارة الفتن والتخريب العمد وزعزعة الأمن وجعل الشرق الأوسط منطقة غير مستقرة، وإثارة النزاعات وإشعال فتيل الحروب حتى أصبح لا يخلو أي صراع في العالم الإسلامي والعربي من وجود سلاح إيراني، أو من حضور لخبرائها ونخبها العسكرية تحت عديد المسميات والمهن والأعذار الواهية. ومن جانب آخر تمت عسكرة مفهوم ولاية الفقيه وتعبئة الشباب في الشارع الإيراني وترهيب الطبقة الوسطى واحتكار التجارة وزرع التهديد الوهمي الذي يهدد وجود الأمة الإيرانية في نفوس عامة الشعب ألا وهو الخطر السُني الذي يريد مسح الوجود الشيعي، وهي أمثلة على الضغوط النفسية التي تمارسها القيادة بصورة مبرمجة بجانب نغمة إعادة إحياء المجد الفارسي التليد، وتأجيج مظاهر القومية الإيرانية بعد وأد المد القومي العربي، والذي كان يشكل الخطر الأكبر على إيران وغيرها. ومن ناحية أخرى تعد إيران للقوى الكبرى مغارة علي بابا، وفي اعتقاد جل الخبراء السياسيين والاقتصاديين لديهم أنها مسألة وقت قبل أن تصبح طهران القوة الاقتصادية والعسكرية المهيمنة في الشرق الأوسط، ولذلك ترى الرئيس الأميركي باراك أوباما يعقد تشكيل إئتلاف دولي واسع وفرض عقوبات اقتصادية صارمة على إيران، بينما يديه لا تزال متسخة من الاتفاق معها على أن يكونوا حلفاء هيمنة متوازيين في المنطقة. فأميركا تخشى أن تذهب إيران إلى أحضان منافسيهم التقليديين وحلفائهم، بينما هي تُترك بعيداً عن تفاصيل المغانم وتخسر الكثير بذلك بعد أن كشف حلفاؤها التاريخيون خبثها الذي لم يعد سراً على أحد. وأصبح الجميع يتفهم أن دبلوماسية الوعود الضخمة الفارغة لإدارة أوباما، لن تغير من الأمر الواقع شيئاً، وذلك على قرار سعيه لتفكيك البنية التحتية النووية لطهران بما في ذلك آلات الطرد المركزي تحت الأرض، والتي تعد نسبياً قادرة على تخصيب اليورانيوم إلى المواد الانشطارية في السنين القلية القادمة. فالاتفاق يقيد النشاطات، ولا يقيد القدرة. أما الحديث عن العزلة والإنتقادات الدولية، فإن المبيعات العسكرية والفرص الإقتصادية، تلعب دوراً محورياً في جعله مجرد تصاريح إعلامية، ولذلك هي وعود وتهديدات مسرحية أكثر من كونها ملزمة تحت وطأة ضغوط التضارب مع المصالح الإسرائيلية وباقي دول المنطقة بشكل مفتوح لأول مرة منذ زمن بعيد في ظل الزحف الروسي الصيني لخطب الود الإيراني. فالاقتصاد والموراد الإيرانية في شتى المجالات أشبه بمارد ينام على كنوز وثروات غير مستقلة على الوجه الأمثل، وهي لا تقل عن كوريا الجنوبية من ناحية فرص النهوض في مجال التكنولوجيا ناهيك عن البنى التحتية الصناعية، والتي تطورت من أيام الشاه، وبالرغم من حاجتها الكبيرة للترميم إلا أنه إذا ما تم البناء عليها ستجعل إيران تحاكي النجاح التركي، وكل تلك الاحتمالات قائمة وما يعطلها عقلية من يسيطر على محاور الدولة في إيران، ويسير الأمور بقبضة من حديد. وليس من باب الصدفة أن تكون إيران بموقعها الجغرافي حصناً منيعاً لمصالح الإمبرياليات الدولية في المنطقة والجزيرة العربية، وهي من دون أدنى شك تمثل للأطماع الأجنبية إحتياطياً متنوعاً مضموناً لا ترغب في التفريط به والتحكم في بوابة هيمنة بين القارات مهما كان الثمن، وتزايد عدد المشردين والقتلى، ومن يتغنون بروح الإنسانية والإحساس بمعاناته هم أنفسهم من تسببوا بحياديتهم السلبية وسياساتهم النفعية في تشريد وقتل الأبرياء. ومن زاوية مختلقة، فإن الدول العربية تعيش أزمات منهكة لمواردها المتنوعة، وتضع عليها الضغوط من الداخل والخارج، وتتعامل مع متغيرات عالمية لدول أيديها ممتدة في عدة اتجاهات وتمسك بعدة ملفات، مما جعلها تتخلى عن التمسك بأسلوب القيادة المركزية لديها، وأن تتبنى أسلوب القيادة المرنة التي تصبو للاستدامة والتنمية، وحتى وهي تخوض التحديات العسكرية الأكبر في تاريخها، وفي السياق نفسه تبرز الدبلوماسية الاستباقية المصحوبة بالفعل الميداني والمكسب الأهم من جراء هذه الأزمات والصراعات المحتدمة أن بعض الدول العربية تعلمت كيف تقول لا، وتدرك أن من أهم أسلحة الخصم الحقيقي، هو نفس السلاح، الذي يستطيع أن نهزمه به من الداخل. * كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات