الضربات الروسية في سوريا.. وانصراف الاهتمام عن أوكرانيا لوموند نشرت صحيفة لوموند افتتاحية بعنوان: «أوباما- بوتين: المبادئ والدبلوماسية» قالت في مستهلّها إن الدبلوماسية تتمنّع أحياناً على الاطراد وفق بعض القواعد. ففي العلن أمام الجمهور العريض، يتم التأكيد على ثبات المواقف، وفي الخفاء يتم تعديلها. وعندما يكون هذا الطرف أو ذاك خلال صراع معين مستعداً للتوصل إلى حل وسط أو مقايضة، تكون تلك عادة هي اللحظة التي تقطف فيها ثمار العمل الطويل والمضني الذي تبذله الدبلوماسية، وهي فن نبيل، ولكن لا تكفي فيه أيضاً النوايا الحسنة وحدها أو العرفان بالجميل. وخلال هذا الأسبوع، تقول الصحيفة، دخل الرئيسان الأميركي والروسي في الشوط الأول من اختبار سياسي ودبلوماسي، أمام العالم، ومن على منبر الأمم المتحدة. وكان الجميع ينتظر سماع موقفيهما من المأساة السورية، وبطبيعة الحال، لم يخيبا الظن، فتحدثا عنها كثيراً. وكانت المواجهة بينهما في المواقف بادية للعيان، على كل حال. وقد أكد الرئيس أوباما على ضرورة الحسم في مواجهة همجية «داعش» التي تزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط، وتقتل الناس ببشاعة، وتعمل على تفكيك وتدمير بعض الدول -العراق وسوريا- وتتسبب فظاعاتها في واحدة من أكثر موجات الهجرة السكانية الجماعية، وبكيفية لم يعرف العالم لها مثيلاً منذ زمن بعيد. غير أن أوباما يريد أيضاً التعاون مع حماة النظام السوري، أي روسيا وإيران، من أجل البحث عن حل عسكري وسياسي في سوريا، وهنا المشكلة، لأنه نظام هو نفسه ظلت واشنطن، وعواصم غربية أخرى حليفة لها، تطالبه، دون هوادة، بالخروج من المشهد، وتعتبر ذلك شرطاً مسبقاً لأية تسوية. لأن هذا النظام فقد شرعيته وتجاوز الخطوط الحمراء التي اختطها له أوباما، هذا زيادة على حجم وهول الكارثة التي تسبب فيها في سوريا، مما يعني أنه جزء من المشكلة بل هو المشكلة، وبالتالي فليس من الوارد أن يكون جزءاً من الحل. ليبراسيون نشرت صحيفة ليبراسيون مقالاً للكاتب «لوك ماتيو» تحت عنوان: «ما الذي يستهدفه الروس في سوريا»، أكد فيه أن الضربات الجوية التي أطلقتها روسيا في محافظات حمص وحماة وإدلب السورية، تركز على استهداف مجموعات معارضة للنظام السوري، وبعضها تدعمه الولايات المتحدة، هذا بدلاً من أن تركز الضربات على مواقع تنظيم «داعش» الإرهابي. وقال الكاتب إن ضربات الطيران الروسي صباح يوم الخميس الماضي، لم يستهدف أي منها مواقع «داعش»، بل وجهت إلى مجموعات تقاتل نظام بشار الأسد و«داعش» معاً، ومن هنا فإن «ما يريده الروس واضح جداً: إنهم يريدون تدمير الثوار المعتدلين»، بحسب ما ينقل الكاتب عن «توماس بيريه»، وهو أستاذ بجامعة إدنبرة وإخصائي في الشؤون السورية. ففي صباح يوم الخميس استهدفت الضربات الروسية مدن كفرنبل وجسر الشغور. وهذه المنطقة لا وجود لتنظيم «داعش» فيها، بل تسيطر عليها مجموعات مسلحة أخرى مختلفة من بينها مجموعات من «الجيش السوري الحر»، وفصائل مما يسمى تحالف «جيش الفتح». وهي كلها مجموعات تحارب قوات النظام و«داعش»، في الوقت نفسه. وقد تمكن تحالف المجموعات المسلحة التي تسيطر على تلك المنطقة من بسط نفوذه على بلدات تابعة لإدلب وجسر الشغور في شهر أبريل الماضي، وذلك لأهميتها الاستراتيجية لكونها منفذاً على الحدود التركية، كما تشرف أيضاً على «الجيوب العلوية» الممتدة باتجاه الساحل، حيث يتمركز أنصار النظام وتوجد قاعدة عسكرية روسية مهمة في مدينة طرطوس. ويقول الكاتب إن بلدة كفرنبل التي استهدفتها الضربات الروسية تكتسي رمزية خاصة في الثورة ضد النظام السوري، وذلك لأن نشطاءها عُرفوا خلال السنوات الأربع الماضية بتظاهراتهم ولافتاتهم، المكتوبة بالإنجليزية، المنددة بقمع النظام السوري وعجز المجتمع الدولي. وبحسب معلومات أولية، لم يتم التحقق منها حتى الآن، فقد استهدفت الضربات الروسية الحي العام الذي تتمركز فيه كتائب «صقور الجبل»، وهي مجموعة من «الجيش السوري الحر». وقبل ذلك في يوم الأربعاء الماضي استهدف الطيران الروسي أيضاً مدينتين يسيطر عليهما ثوار معتدلون، في محافظتي حمص وحماة. ففي الأولى ضرب الطيران الروسي بلدة تبليسة، حيث يوجد ثوار من «الجيش السوري الحر»، وقد انسحبوا أصلاً إلى هناك بعد إطلاق النظام هجوماً مضاداً على مدينة حمص. وعلى رغم محاصرتها فقد ظلت تبليسة أحد آخر جيوب المعارضة في المنطقة، ولهذا ما فتئت قوات النظام تستهدفها بالبراميل المتفجرة. وكذلك لا وجود أيضاً لـ«داعش» في البلدة الثانية وهي «اللطامنة» التي تعرضت هي أيضاً للهجوم، في هذه الضربات، بل يوجد هناك فصيل من «الجيش السوري» الحر يعرف باسم «تجمع العزة»، وقد كان يحظى بدعم عربي وغربي. لوفيغارو «ظلال الحرب في سوريا تغطي السلام في أوكرانيا» تحت هذا العنوان نشرت صحيفة لوفيغارو تحليلاً ناقشت فيه تداعيات تصاعد الصراع في سوريا على اللقاء الذي استضافته باريس أول أمس، الجمعة، بين قادة فرنسا، وروسيا، وألمانيا، وأوكرانيا، مؤكدة أن استِعار الحرب في سوريا غطى أيضاً قبل ذلك، في الأمم المتحدة، بشكل كبير على الأزمة الأوكرانية، ودفع بها إلى خلفية الاهتمام الغربي والدولي. وفي لقاء الجمعة أيضاً بباريس لئن ظل قادة الدول الأربعة يؤكدون على عدم الترابط بشكل مباشر بين الأزمتين، إلا أنهما مع ذلك ظلتا تستبقان في الاهتمام طيلة يوم اللقاء. وكان الهدف من هذا اللقاء في قصر الإليزيه أصلاً بحث سبل متابعة مسار عملية السلام في أوكرانيا، من أجل ضمان تطبيق كامل وشامل لـ«اتفاق مينسك» من هنا وحتى نهاية هذا العام، وصولاً إلى رفع العقوبات عن روسيا. ولكن انطلاق الضربات الجوية الروسية في سوريا، التي أخذت الغربيين على حين غرة، جعل الصراع هناك يستحوذ على أجندة اللقاءات الثنائية وخاصة لقاء الرئيس فرانسوا أولاند والرئيس فلاديمير بوتين، الذي استغرق أكثر من ساعة قبل افتتاح القمة. ورسمياً حاول الرئيسان تقريب وجهتي نظرهما حول الانتقال السياسي في سوريا. وتضع فرنسا ثلاثة شروط لأي تعاون محتمل مع روسيا: أن تكون أهداف الضربات الروسية مركزة على «داعش» وليس على معارضي نظام الأسد، وأن يكون هدف كل عمل هو حماية المدنيين، وأن تنص أية عملية انتقال على خروج صريح للأسد من السلطة، ويصعب أن تقبل موسكو أياً من هذه الشروط. إعداد: حسن ولد المختار