في وقت يستأثر فيه رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي» بمستوى عالٍ من القبول في أوساط الهنود الذين يعيشون خارج وطنهم وفقاً لاستطلاعات الرأي، فإن حزبه «بهاراتا جاناتا» يواجه اختباراً صعباً لشعبيته وموقعه السياسي في الانتخابات التي ينتظر إجراؤها في ولاية بيهار. وهذه الولاية الشرقية، التي ستشهد الاقتراع الشهر المقبل، هي ثالث أكبر ولاية هندية من حيث عدد السكان الذي يبلغ 99 مليون نسمة. وبالرغم من أنها واحدة من أكثر الولايات الهندية فقراً، إلا أنها كانت وما زالت تتمتع بتأثيرها القوي على السياسة الفيدرالية. وتستأثر «بيهار» بأربعين مقعداً في البرلمان الهندي وتؤلف مع جارتها «أوتار براديش» التي تستأثر بثمانين مقعداً، نسبة لا يُستهان بها من مجموع عدد مقاعد البرلمان البالغ 543 مقعداً. وستحكم نتائج الانتخابات أيضاً على قوة التأثير السياسية للحزب الحاكم الذي لم يسبق له أن فاز لوحده بأي جولة انتخابية في تلك الولاية من قبل. وهذه المرة أيضاً، سيدخل حزب «مودي» الحاكم في ائتلاف مع حفنة من الأحزاب الأصغر، إلا أنه يواجه صراعاً مريراً مع تحالف يضم حزبين محليين قويين بالإضافة لحزب «المؤتمر». وحتى عام 2013، كان حزب «بهاراتيا جاناتا» يقيم تحالفاً متيناً مع حزب «جاناتا دال المتحد»، ولفترة امتدت لنحو 16 عاماً، إلا أن صعود النجم السياسي لـ«ناريندرا مودي» تزامن مع حدوث تقاطع في أسلوب عمل الحليفين. وعمد السيد «نيتيش كومار» زعيم حزب «جاناتا دال المتحد» إلى الانسحاب من التحالف بسبب خوفه من أن يضنّ الناخبون المسلمون عن منحه أصواتهم. وخلال العقد الماضي، أصبح «كومار» كبير الوزراء ذا الشعبية الواسعة واتصف بسمعته النظيفة، وحكم الولاية لأكثر من عقد من الزمان، ولا يزال يحكمها حتى الآن. وليس هناك ثمة من شك في أنه غيّر من صورة ولاية بيهار بشكل ناجح، واستأصل منها شأفة العصابات الإجرامية، وبنى شبكة من الطرق، وطوّر خدمات الرعاية الصحية، وطرح سلسلة من المخططات في إطار الثقافة الإصلاحية التي يتبناها. وارتفع معدل النمو في الولاية إلى نحو 11 بالمئة بعد أن كان لا يتعدى 3 بالمئة عندما تسلم مسؤولية الحكم فيها. وبسبب سوء الحكم والإدارة قبل تسلّم «كومار» السلطة، بقيت «بيهار» ثالث أكثر الولايات الهندية فقراً، وسُجّل فيها أعلى مستوى للبطالة في الهند كلها فيما لا تزال بناها التحتية تحتاج إلى الكثير من التطوير حتى تلحق بركب الولايات الأكثر تطوراً. ولا يزال النشاط الصناعي في «بيهار» متواضعاً، ولا تجتذب إلا القليل من الاستثمارات. وفي هذه الظروف، سيتعين على الحزب أو الائتلاف الفائز في الانتخابات أن يسعى للحصول على الدعم والمساندة من كل التجمعات البشرية مهما اختلفت مشاربها في الوقت الذي سيرفع فيه شعار التنمية والتطور. وصحيح أن التحالف المحلي الذي يتزعمه «كومار» يلقى المساندة الأساسية من غير المسلمين، إلا أنه يستأثر بتأييد مجموعة من الطوائف ذات التعداد السكاني الأقل. وتتمحور الاستراتيجية التي يعتمدها حزب «بهاراتيا جاناتا» في الانتخابات المقبلة، على شخصية رئيس الوزراء «ناريندرا مودي» على الرغم من أن صورته ستقترن برسالة ذات دلالات تطوّرية من أجل الفوز بهذه الانتخابات المهمة. ويحاول الحزب أيضاً الحصول على تأييد الناخبين المنتمين إلى الطوائف الرئيسة في محاولة منه للتفوق على التحالف المحلي. ولقد منح بطاقات الترشيح لمنتسبين ينتمون إلى المشارب الطائفية العديدة الأقل شأناً من أجل الفوز بأكبر عدد من أصوات التجمعات البشرية المنتمية إلى القاعدة التي تحظى بدعمه التقليدي. و«مودي» الذي سبق له أن خاض عدداً من الحملات الانتخابية، أعلن عن تخصيص حزمة مالية تزيد عن 1.25 تريليون روبيه (19 مليار دولار) لتطوير ولاية «بيهار» في مسعى منه لتفعيل الحملة الانتخابية لحزبه. ووصفت هذه الحزمة بأنها الأضخم التي تتلقاها ولاية هندية على الإطلاق. ويستفيد حزب مودي «بهاراتيا جاناتا» من مساعدة سياسي مسلم شاب وقائد حزب «مجلس اتحاد المسلمين» يدعى «أسد الدين أويسي» الذي أعلن عن قرار حزبه بدخول المنافسة للفوز بنحو 24 مقعداً في هذه الولاية التي يشكل المسلمون فيها أكثر من 46 بالمئة من مجموع عدد السكان. ومن المتوقع أن يسعى إلى الانضمام إلى التحالف المحلي الذي يقوده «نيتيش كومار» في إطار سعيه لتوحيد صف المسلمين وراء هذا التحالف. *رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي