مع عيد الفطر لعام 1436هـ، لم يكن جو العيد في السعودية عيداً، فقد تم الإعلان عن تنظيم عنقودي من أكثر من 400 شخص ينتمون لثماني جنسيات، منهم سعوديون، ومنهم نساء، قاموا بتفجير المساجد في المنطقة الشرقية، وكانوا في طريقهم لتنفيذ تفجيرات أخرى في أكثر من مكان. والسؤال المتكرر في كل مرة هو: لماذا يتوجه الشباب إلى هذه الأساليب العنفية والمسلحة للتعبير عن آرائهم، ولتحقيق ما يرونه أهدافاً تستحق كل هذا القتل؟ في قناعتي أن استخدام القوة المسلحة لتغيير الواقع فكرة فاسدة، سواء من منظور الدين أو علم الاجتماع، أو البيولوجيا، أو السياسة. ففي الدين قامت الحياة السياسية على مبدأ «لا إكراه في الدين»، وحرف «لا» للنفي يدخل على كل صور الإكراه وفي أي اتجاه، فلا يقتل الإنسان من أجل آرائه أياً كانت، وإلا أصبحت إكراها وحبساً. وهذا يعني أنه بمجرد دخول الإكراه في الدين، فقد دخل الشرك ومزج التوحيد بالوثنية، واختلط الحق بالباطل. والذي يعلق أي أمل على القوة، فقد ارتكب مخالفة في لغة الدين وأبطل عمله. وفي لغة علم الاجتماع، يمثل استخدام العنف دخولاً إلى «شريعة الغاب»، والذي يملك القوة هو الله لا إله غيره، وهذا ما قاله فرعون لموسى: «لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين»، أو للسحرة: «لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى». وفي لغة البيولوجيا، يمثل استخدام القوة طلاقاً للعقل، واعتماداً على العضلات، وهو الفساد الأكبر للإنسان عندما تنقلب الأدوار، فيمشي الإنسان على رأسه منكساً، ليخسر رأسه ورجليه معاً. إن استخدام العنف لتحويل المجتمع هو الذي يجعل القاتل والمقتول في النار، لأنه «ليس كل دفاع عن النفس حقاً»، وهذا الشيء لا يستطيع فهمه لا الشيوعي ولا الإسلامي ولا الليبرالي ولا القومي، كما أن العالم جميعاً ليس له قدرة على فهم هذا الشيء الذي جاء به الأنبياء، لأن الكل يجيز «الدفاع عن النفس»، لكن الدفاع عن النفس هو في وجهه الثاني الخفي نوع من الاستعداد للهجوم على الآخرين، أي برمجة العدوان والقوة في المجتمع، وعندما يلتقي الطرفان بالسيف يتحول المجتمع إلى جهنم تلتهم كل الناس، وما حديث أفغانستان والعراق ببعيد، فالحشد الشعبي والاقتتال بين فصائل لا نهاية لها في الشرق الأوسط شاهد على ذلك. ما معنى أن يكون الإنسان في مجتمع؟ إن وعياً من هذا النوع يخلق «المواطن المنتمي»، لأن المجتمع يحمي من العدوان، والمجتمع الذي لا يستطيع حماية أفراده ويلجأ فيه كل فرد إلى أخذ حقه بذراعه يتحول إلى «مجتمع غابة»، وهي نكسة نوعية للخلف عشرة آلاف سنة. و«مجتمعات الغابة الجديدة» لا ينفع فيها التغيير بالقوة، لأنه تغيير أشخاص بأشخاص، دون المساس بنظام الفكر المهيمن، لهذا فالفرقاء في مثل هذا المجتمع هم كلهم من «ملة واحدة» هي ملة العضلات والغابة والديكتاتورية. وأخيراً في «علم السياسة»، تعني الديمقراطية أن يقر الجميع ألا يلجأ طرف فيه إلى العنف، وأن تطلق الحريات في التفكير والتعبير والتجمع، وأن يتم تحريم استخدام القوة والسلاح والإكراه لفرض الأفكار.