أحداث 11 من سبتمبر 2001 أتت لتقطع الطريق على الجدل الذي كان يدور في واشنطن بين بروز وزيادة هيمنتها العالمية وبين تقاسم الأدوار الأمنية مع القوى الدولية الأخرى، فأخذت واشنطن على عاتقها، راية الحرب على الإرهاب من خلال ربط تنظيم «القاعدة» مع نظام «البعث» العراقي، وكانت أهدافها إسقاط نظام «البعث» العراقي وبناء العراق عبر الديمقراطية الغربية ليكون نموذجاً يُطَبق على بعض الدول في منطقة الشرق الأوسط، وهنا المصالح الأميركية ربطت محاربة الإرهاب مع إشاعة الديمقراطية والسيطرة على موارد النفط العراقية وزيادة هيمنتها على منطقة الشرق الأوسط. بينما موسكو أتت بإيران حينها عبر استراتيجية، مضمونها تقليص فكرة هيمنة واشنطن على الخليج ومنطقة الشرق الأوسط. وبعد مرور أربعة عشر عاماً تأتي موسكو اليوم في الشرق الأوسط لمحاربة الإرهاب وهذه المرة محاربة تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة»، فليس في محاربة «الإرهاب» والقضاء عليه عسكرياً وفكرياً أي نقاش أبداً، فالدور الروسي يعكس أهدافاً روسية تتشابه في صيرورتها، مع الاستراتيجية الأميركية عبر أحداث الحادي عشر من سبتمبر ومحاربة الإرهاب، فهي تأتي كإنهاء اللعبة مع «داعش»، وتوجيه رسالة إقليمية ودولية حول دور روسيا المتنامي. فمحاربة «داعش» و«جبهة النصرة» من قبل موسكو، تدعم بقاء نظام الأسد، فالدب الروسي يريد خلق تحالف دولي إقليمي في حربهِ هذه، كما فعلت واشنطن بالحرب على الإرهاب بعد أحداث 11/9. فالولايات المتحدة متراجعة أمام روسيا من خلال الاتفاق النووي مع إيران، وعدم وجود سياسات فعالة لحل المعضلة الإنسانية والأمنية السورية، فهي «واشنطن» بذلك تعكس موافقة ضمنية على مشاركة روسيا وإيران في القتال إلى جانب نظام بشار الأسد، وهو دور انتقل من الدعم السياسي والعسكري واللوجستي لنظام الأسد، إلى المشاركة الفعلية في القتال إلى جانبه بحجة توحيد الجهود لمحاربة تنظيم «داعش والميليشيات الإسلامية المتطرفة». وهناك حقيقة في «داعش» ونظام بشار تدركها القيادتان الروسية والأميركية وغيرهما، وهو وجود معطيات ودلائل عن تنسيق ما بين قوات النظام السوري و«داعش» لإضعاف ما يوصف بالقوى المعتدلة في المعارضة السورية خدمة للطرفين. فالنظام يريد أن يطرح نفسهُ للشعب والمعارضة السورية المعتدلة وأطراف إقليمية ودولية أيضاً بأنهُ أفضل الشرّين. كما أن دافع «داعش» للتعاون مع بشار هو عداوتها مع المعارضة السورية المعتدلة وأيضاً مع «جبهة النصرة»، ليتسنى لها تحقيق طموحها في بناء «الدولة الإسلامية» المزعومة والمشوهة والمعادية للإنسان في المنطقة. عبر ورقة محاربة الإرهاب يأتي الهدف من المنظور الروسي، حاملاً استراتيجية تحاول جمع النظام «الأسد» والمعارضة المعتدلة في خندق واحد تحت دعوى «محاربة الإرهاب»، بغض النظر عن الأطراف الدولية والإقليمية التي تمانع فكرة استمرار نظام البعث السوري، ولاشك في وجود أطراف أخرى تتفق مع الرؤية الروسية. وهذه الرؤية «الروسية» بدورها تنسف صيغة جنيف للحل السياسي في سوريا القائمة على تشكيل هيئة حكم انتقالية يتنحى معها الأسد عن الحكم، وهي صيغة ضعيفة تعرضت للطعن من جانب المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الذي قدّم رؤيته للحل، بتشكيل عدة لجان تعمل بالتوازي من دون الإشارة إلى مصير الأسد. وإذا نجحت موسكو في تكوين تحالف إقليمي ودولي في محاربة الإرهاب «داعش والميليشيات الإسلامية المتطرفة» وفي بقاء نظام بشار، فهو تأكيد أن دور واشنطن في استقرار الشرق الأوسط لم يعد دوراً متفرداً بقيادتهِ. وهنا سيكون للقوى العسكرية والقانونية والسياسية الروسية ثقل ومصداقية وفعالية في منطقة الشرق الأوسط على حساب الدور الأميركي، مما سيقود إلى فكرة التعامل مع روسيا بصورة شريك في الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط، خصوصاً إذا لعبت موسكو بعلاقاتها بطهران دوراً جديداً في العراق نحو إلغاء الطائفية. وإلى أوروبا نرى أن بقاء روسيا في سوريا وإطلالتها على البحر المتوسط وتحالفها مع إيران وقيادة محاربة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط هو تأكيد أن موسكو تقف ضد تمدد الليبرالية الغربية وحلف «الناتو» نحو مناطق أمنها، فسياسيات روسيا في الشرق الأوسط وغيرها مثل مجموعة «بريكس»، وعلاقاتها مع بكين، وصدامها العسكري في جورجيا وأوكرانيا، تؤكد على أن الغرب وواشنطن يجب أن يتعاملا مع موسكو من منظور شريك أساسي في استقرار الأمن والسلم الدوليين في القارة الأوروبية والشرق الأوسط، كما هو الحال من خلال دورها في أمن إمداد ومرور الطاقة من نفط وغاز إلى العالم.