شاركت مؤخراً في حلقة نقاشية عقدها المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة بعنوان «تفكيك الأزمات: فرص وتحديات أدوار الوساطة الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط»، وهو موضوع بالغ الأهمية بالنظر إلى التصاعد غير المسبوق للصراعات في المنطقة وتغير بؤرة التركيز في نموذجها من الصراعات بين الدول إلى الصراعات داخلها، وإنْ كان هذا التغير يخفي تدخلات خارجية عديدة عربياً وإقليمياً وعالمياً بما يجعل هذه الصراعات في بعد مهم منها حروباً بالوكالة بين دول، بل إن هذه التدخلات قد يكون لها أحياناً النصيب الأوفى في تفجير هذه الصراعات لاعتبارات تتعلق بالمصالح الوطنية والرؤى الاستراتيجية للدول المتدخلة، ولو لم يكن الأمر كذلك لما رأينا التصعيد الروسي الأخير بالتدخل المباشر لدعم بشار الأسد، لأن سقوطه سيعني تصفية ثمار سنوات طوال من الاستثمار الروسي سياسياً واستراتيجياً في سوريا. وقد ركزت الحلقة التي أعد ورقتها الإطارية ونسقها الباحث محمد عباس ناجي على أدوار الوساطة العربية، فقدمت فيها أربع أوراق، الأولى عن دور الوساطة العمانية، وأثارت الثانية سؤالاً عما إذا كانت قطر تسعى لاستعادة دورها كوسيط، وتناولت الثالثة فرص الوساطة المصرية في الأزمة السورية وتحدياتها، وحللت الرابعة محددات الدور الجزائري المحتمل في أزمات سوريا وليبيا ومالي، وقدمت هذه الأوراق نخبة من الباحثين المتميزين والواعدين هم على التوالي د. محمد عز العرب ود. معتز سلامة والباحثان أحمد البحيري وأحمد الباسوسي. وقد ركزت الورقة الخاصة بعمان على سياستها الخارجية التي تقوم أساساً على نوع من الحياد تجاه الصراعات قد ساعدتها على القيام بدور الوسيط في الصراع اليمني. كما خلصت الورقة الخاصة بقطر إلى أنها فقدت مقومات دور الوسيط الذي لعبته بنجاح في سنوات خلت لأنها أصبحت دولة صاحبة مشروع تنحاز بموجبه إلى طرف محدد من أطراف الصراعات الدائرة في الوطن العربي. وتحدثت الورقة الخاصة بمصر والصراع الدائر في سوريا عن محاولة مصر تخليق أوراق بيدها كي تلعب دور الوسيط في الصراع. وحللت الورقة الخاصة بالجزائر محددات الدور الجزائري، وبالذات في ليبيا ومالي. وقد حاولت تلخيص اتجاهات المناقشات التي دارت بعد تقديم الأوراق باعتبار دوري في إدارة الحلقة، فذكرت أولاً أن القائمين بدور الوساطة يشترط فيهم الحياد تجاه أطراف الصراع كي تقبل وساطتهم من حيث المبدأ، وفي هذا الصدد، فحياد سلطنة عمان تجاه الخلافات والصراعات العربية ليس بالجديد، ونذكر بطبيعة الحال موقفها من الخلاف العربي- المصري بعد توقيع اتفاق كامب ديفيد، غير أنه لم تعرف في السابق أدوار عمانية للوساطة. وحتى لو اعتبرنا استضافة السلطنة جانباً من مفاوضات الاتفاق النووي الغربي- الإيراني وساطة، فإن هذا أيضاً تطور جديد. أما قطر فقد سبقت الإشارة إلى أن مقومات دورها السابق كوسيط قد قوضت بسبب انحيازها الواضح لأحد أطراف الصراعات الدائرة، فليس وارداً بأي مقياس أن تضطلع قطر مثلاً بدور وساطة بين مصر و«الإخوان المسلمين». وبالنسبة لمصر، فإن لها بدورها انحيازاتها في الصراعين الليبي واليمني، وبالتالي فليس مطروحاً أن يكون لها دور وساطة تجاههما، ومع أن لها رؤية خاصة تجاه الصراع السوري تسمح لها بالقيام بهذا الدور، إلا أن ثمة قيوداً على ذلك بسبب عدم تطابق رؤيتها مع رؤية حلفائها في الخليج، ولهذا، فإن قيام مصر بدور وساطة في الصراع السوري يتطلب أولاً جهداً في جسر الفجوة بين رؤيتها ورؤية هؤلاء الحلفاء. أما الجزائر، فهي تركز بطبيعة الحال على الصراعات المؤثرة مباشرة في أمنها القومي، ولذلك فقد كان دورها حاضراً في الصراعين المالي والليبي، بينما لا يكاد يرد حديث عن دور في الأزمة السورية. ويلاحظ أنه على رغم قبول أطراف الصراعات بعض أدوار الوساطة، فإن أياً من هذه الأدوار لم ينجح حتى الآن، ويرجع ذلك إلى أن نجاح الوساطات لا يستند إلى توافر المقومات الضرورية في الوسيط فحسب، وإنما يرجع أيضاً إلى طبيعة الصراعات ومراحل تطورها، ويحتاج هذا حديثاً آخر.