لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» قائمة طويلة بالأعداء، تشمل إرهابيين، وتشكيلات جريمة منظمة، وعصابات شوارع، بالإضافة بالطبع إلى القراصنة الإلكترونيين «الهاكرز»، والجواسيس الأجانب. لكن هذه القائمة تضم، الآن، عدواً غير متوقع هو «راديو آسيا الحرة». فكيف يمكن لمنفذ إذاعي حكومي، يعود لفترة الحرب الباردة، أن ينتهي به الحال لأن يصبح مصدراً لتهديد «إف بي آي»؟ الإجابة: لأن منشئ هذه الإذاعة نفسه يريد أن يوصل محتواها إلى دول توجد بها رقابة على الإنترنت، ويخشى أن تؤدي التقنية التي ساعد هو على تطويرها إلى تمكين المجرمين الإلكترونيين. منذ عام 2011، وكجزء من سياسة وزارة الخارجية في عهد هيلاري كلينتون، لدعم حرية الإنترنت، تبنى «راديو آسيا الحرة» تقنيات سهلة الاستخدام، ساعدت الناس العاديين على إخفاء اتصالاتهم التي تتم عبر الإنترنت عن أعين الرقابة. البرنامج الذي اضطلع بهذا الجهد، وهو «صندوق التقنية المفتوحة» الذي قدم رأسمال رمزياً مقداره 1.4 مليون دولار عامي 2013 و2014 إلى برنامج التقنية المعروف باسم «الهمس المفتوح» Open Whisper الذي يُستخدم الآن لتشفير الرسائل النصية، والمحادثات الهاتفية على أجهزة الأندرويد والآي فون. وتقنية «الهمس المفتوح» تختلف عن تقنيات التشفير السابقة، التي كانت تطلب من المستهلكين ذكر اسم المفاتيح والرموز أولا، للبدء في محادثة آمنة، حيث تسمح بإجراء تلك المحادثات وإرسال الرسائل من خلال نظام أمان مدمج Built-in. قبل تسريبات متعهد وكالة (الاستخبارات الوطنية الأميركية) «إدوارد سنودن»، لم يكن مكتب التحقيقات الفيدرالي ومجتمع الاستخبارات الأميركي أقل قلقاً بشأن مثل هذه الأشياء، إذ من المعروف أن الجواسيس والمجرمين والإرهابين.. كانوا يستخدمون تقنيات التشفير منذ سنوات طويلة، وكل ما هنالك أن شركات الإنترنت الرئيسية لم تكن تقدم نظام تشفير قوي ضمن الإعدادات الأساسية لمنتجاتها. هذا الأمر بدأ في التغير اعتباراً من هذا العام 2015، لأن تقنية «الهمس المفتوح» باتت تُدمج الآن في نسخ الأندرويد لبرنامج المحادثة المعروف «واتساب»، الذي يقترب عدد مستخدميه من مليار شخص في مختلف أنحاء العالم. وسبب خوف مجتمع الاستخبارات الأميركي هو أن يؤدي الاستخدام المنحرف لنظام التشفير القوي، إلى خلق نوع من «الفضاء المظلم» الذي يمكن فيه للإرهابيين أن يلهموا الذئاب المنفردة، كما يمكن فيه لعصابات دعارة الأطفال العمل بحصانة. ليس المقصود من ذلك أن «إف بي آي» يعارض التشفير. فقد قال مدير الجهاز «جيمس كومي»، الأسبوع الماضي، أمام جلسة استماع في الكونجرس، إن المكتب يشجع الشركات على استخدام أنظمة تشفير قوية لحماية حقوق الملكية، لكنه يريد من شركات الإنترنت الأميركية التوصل لطريقة تمكن جهات إنفاذ القانون من الدخول على تلك المحادثات خلال التحقيقات الجنائية. «جون كالاس» كبير مسؤولي التقنية في شركة «سايلانت سيركل» التي قامت بتصميم تصميم منافس لمنتج «الهمس المفتوح»، يقوم بتشفير المحادثات الصوتية على الهواتف الذكية، وقد قال في منتدى استضافه مؤخراً موقع «باس كود» الفضائي الإخباري الجديد، إن شركته إذا ما قامت بتصميم تقنية تقوم باستعادة محادثات لمصلحة حكومة الولايات المتحدة فإنها ملزمة بأن تفعل نفس الشيء مع الحكومات الأخرى مثل حكومتي الصين وروسيا مثلا. وفي نقطة معينة، طلب «إف بي آي» من الكونجرس منحه صلاحية الدخول على تطبيقات مثل «واتساب»، لتأمين المحادثات مثل ما يفعل برنامج «ويكر» الذي يتلف المحادثات بعد إرسالها بفترة قصيرة. لكن المكتب تخلى في الشهور القليلة الماضية عن هذا المطلب، ويطالب الآن شركات التقنية بتقديم هذه الإمكانية للدخول على المحادثات بشكل طوعي. ويُذكر أن المنح الخاصة بتمويل برامج مثل «الهمس المفتوح» وغيره، كانت نتاجاً لسياسة طموحة تبنتها هيلاري كلينتون عندما كانت وزيرة للخارجية، متأثرةً في ذلك بالدور الفعال الذي قام به نشطاء الإنترنت في الثورة الخضراء في إيران عام 2009 وثورات «الربيع العربي» عامي 2010 و2011، وكان من نتائج هذه السياسة الجديدة إنشاء صندوق التقنية المفتوحة لـ«راديو آسيا الحرة». لكن كلينتون تتحدث عن هذا الموضوع بشكل مختلف الآن. ففي كلمة لها مؤخراً، وبعد أن قدمت دفاعاً مقنعاً عن الخصوصية، قالت: «نحن أيضاً لا نريد أن نجد أنفسنا في موضع تتحول فيه الخصوصية إلى تهديد أمني شرعي نواجهه، ولا نجد وسيلة لمعالجته، لأنه لا توجد لدينا تقنية للدخول على موقع من يمتلك المعلومات». إيلي ليك كاتب متخصص في السياسة والشؤون الخارجية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوزسيرفس»