أعلن «جون بوينر» نيته التخلي عن منصبه كرئيس لمجلس النواب الأميركي وأنه يغادر الكونجرس بنهاية شهر أكتوبر. ومن غير الواضح بعد ما هي الأسباب التي جعلته يترك منصبه، على رغم تداول تقارير في الأسابيع الأخيرة عن وجود محاولة للإطاحة به من قبل المحافظين في «تجمع الحرية» بمجلس النواب. وقد يكون سبب الأمر أن فرص بقائه في وظيفته لم تعد كبيرة، على رغم أن معظم الباحثين في شوؤن الكونجرس لا يعتقدون ذلك.. وقد تكون خلفية الأمر ببساطة أن «بوينر» قد ضاق ذرعاً بالمطالب المستحيلة للمحافظين في حزبه. وفي كلتا الحالتين، فإن الجمهوريين قد يدركون سريعاً أن «بوينر» كان يؤدي أداء حسناً في منصبه في ظل ظروف صعبة. ومع انقسام الحكومة، لم تكن لديه فرصة لإدراك الأهداف الأساسية لسياسة الجمهوريين (مثل إلغاء برنامج «أوباماكير»)، ولكن حزبه كان يغلب عليه المتشددون الذين لن يقبلوا الجمود وكانوا يلقون عليه باللوم لهذا السبب. وحتى لو كان الأمر كذلك، فقد استطاع بوجه عام أن يحافظ على استمرار عمل الحكومة. وفي داخل مجلس النواب، بدا أنه يحقق توازناً بين السيطرة على الحزب والفرص الفردية للأعضاء، الأمر الذي استعصى على العديد من رؤساء مجلس النواب الأميركي المعاصرين. وفي هذا الصدد، اتبع «بوينر» نموذج رئيسة مجلس النواب الديمقراطية السابقة «نانسي بيلوسي»، التي كانت قادرة على تجنب محاكاة الأنظمة المفرطة في المركزية لـ «جيم رايت» و«نيوت جينجريتش»، أو القيادة الضعيفة لـ «توم فولي» و«ديتني هاسترت». ومن الجدير بالذكر، أيضاً، أن الجمهوريين التابعين لـ «بوينر» تجنبوا وصمة الفساد التي ميزت مجلس النواب الجمهوري في عهد هاسترت- توم ديلاي. وبوجه عام، كان «بوينر» مديراً فعالاً، ويأتي ضمن صفوف أفضل الرؤساء المعاصرين لمجلس النواب الأميركي. بيد أنه فشل في تغيير الديناميكية الأساسية لأعضاء حزبه، حيث كانت هناك مجموعة صغيرة من المتشددين الساعين لإثبات أنهم محافظون حقيقيون -حتى وإن كان ذلك يعني استخدام تكتيكات انتحارية سياسياً- تهيمن على مجموعة أكبر بكثير من الجمهوريين المحافظين جداً الذين كانت ترعبهم فكرة السماح بأي انفصال عن الراديكاليين. ولكن عدداً قليلاً جداً من الجمهوريين الموجودين هُزموا في الانتخابات التمهيدية خلال عهد «حزب الشاي»: فقد هُزم أربعة أعضاء في عام 2014 واثنان في 2010 (باستثناء عام تعديل الدوائر الانتخابية في 2012). كما يستحق رئيس مجلس النواب علامات جيدة أيضاً لقدرته على التعامل مع آثار جنون العظمة: المطالبة المستمرة بتطبيق سياسة حافة الهاوية على إغلاق الحكومة وانتهاكات الحد من الديون، مثلاً. وربما يكون من غير المنصف أن نطالبه بالمزيد في هذا المجال. ومن السابق لأوانه الحديث الآن عما إذا كانت خلافة «بوينر» ستكون منظمة نسبياً. والواضح أن إبعاد رئيس المجلس لن يحدث تغييراً في الشروط الأساسية التي يزعم الجمهوريون في «تجمع الحرية» أنهم مستاءون بشأنها، فهذا يمكن أن يحدث فقط في صناديق الاقتراع في انتخابات 2016. جوناثان بيرنشتاين محلل سياسي أميركي ينش بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»