الناس يسمعون كثيراً عن البلاشفة، ويخطر في بالهم الشيوعيون، وهم في الحقيقة صنفان، «الحمر» جماعة لينين وتروتسكي، والبيض جماعة كيرنسكي، الذي تولى السلطة بعد إجبار القيصر على التنازل، في ظل حرب مدمرة، أخذت أرواح الملايين إلى المقابر، تحت مبخرة الكنيسة والكرادلة، كما في معارك «حزب الله» مع عصابات على الرؤوس تحمل أسماء أناس ماتوا قبل آلاف السنوات، ليس عندهم أقل فكرة بما يجري فوق الحجارة، كما كان الحال مع الصليبيين الزاحفين للشرق لحماية قبر المسيح؟ حديثنا عن البلاشفة البيض مهم، لأن مصير السوريين قد ينتهي إلى ما انتهى إليه البلاشفة البيض، فقد غادر روسيا أكثر من عشرين مليوناً من الروس إلى المنفى بدون عودة إلى الوطن. وإذا كان البلاشفة البيض بلغوا يومها عشرة بالمائة من السكان، فما ينتظر السوريين من كارثة هي عشرة أضعاف مالحق البلاشفة البيض يومها، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن عدد سكان سوريا 23 مليوناً نزح وهاجر وقتل واعتقل ولجأ أكثر من نصف عدد السكان، بكلمة أخرى نقول إنه كان على نصف سكان روسيا في ظروف ثورة أكتوبر أن يرحلوا كما هو جارِ مع الشعب السوري. لكن ما الذي حصل فعلاً في تلك الظروف التي هاجر فيها خيرة الشعب الروسي إلى أوروبا وأميركا فأغنوها وأثروا ثقافتها وطوروا علومها وتقنياتها، كما فعل «الهوجنوت» الفارون في ظروف الاضطهاد الديني من فرنسا إلى برلين، أو علماء القسطنطينية إلى أوروبا مع احتلالها من العثمانيين، بل هجرة الأنبياء في التاريخ، فكانت معلماً على تحول الجيد إلى ماهو أجود. جاء في الإنجيل من كان عنده يعطي، ومن ليس عنده يؤخذ منه. وهذا هو المصير الذي قد ينتظر سوريا والسوريين، ولكن مهلًا لنرجع إلى ظروف الثورة الحمراء؟ لقد أجبر الانقلاب القيصر نيقولاي الثاني على توقيع وثيقة التنازل عن العرش، ليصبح «كيرنسكي» ممثل البلاشفة البيض في مركز القوة. وكان يمكن لروسيا أن تتطور تطوراً طبيعيا إلى الديمقراطية فتلتحق بالمنظومة الأوروبية. كانت ظروف الحرب بؤساً وصفها فيلم (نيقولاي) أن بحراً من الدماء سال من ضحايا سبعة ملايين ضحية في جبهات القتال في حرب الخنادق المحولة. ارتكب «كيرنسكي» خطأه التاريخي حين قال سنتابع الحرب؟ أما «لينين» الذي كان يدرب عصابته في باريس، فقد جاء مع زوجته وعشيقته بمساعدة ألمانيا عبر قطار مغلق، وفوقها أمد الألمان القياصرة لينين بخمسة ملايين قطعة ذهبية، لينتصر على البلاشفة البيض. كان شعار لينين أوقفوا الحرب بأي ثمن، بل أرسل تروتسكي يعرض أي ثمن على الألمان مقابل إيقاف الحرب. قالوا أوكرانيا والمزيد قال «تروتسكي» لكم ذلك. ثم انفلق البلد شطرين في حرب أهلية مدمرة، الشيوعيون الحمر في طرف، وفي الطرف الآخر جنرالات القيصر المعتقل. كانت حرباً قاسية تقلصت بعدها رقعة «الحمر»، وضاقت عليهم الأرض لكنهم صمدوا وقاتلوا بضراوة، بل التحق بهم الرفاق من كل العالم. في النهاية انتصر الشيوعيون الحمر على البيض، بكلفة مخيفة من دماء وضحايا. وأخيراً لم يبق أمام البلاشفة البيض إلا أن يحزموا حقائبهم ويلقوا النظرة الأخيرة على الوطن. لكن ماحدث أن هجرة هؤلاء كانت بركة على أوروبا وأميركا فقد أغنوا العالم الغربي باختراع طائرة الهليوكوبتر والتلفزيون والتردد الكهربي المتناوب، وبدايات الكمبيوتر أو شارع المعلومات، بل السلاح الذري الهيدروجيني. أما لينين ومعه بشار في سوريا فقد انتهجا سياسات مفادها إن هلاك ثلاثة أرباع الشعب ليس بمسألة، المهم الربع الباقي أن يبقى معنا. لسان حال بشار يقول: السوري ليس من ولد وعاش في سوريا ويحمل بطاقة وطنية وجواز سفر ولكن من يدافع عن حكم الأسد ولو كان من هزارة أفغانستان وزعران عبدان. أما ستالين فكان يردد موت إنسان محزن وتراجيدي، ولكن موت الملايين مسألة إحصائية.