في هذا الصيف، قدم الرئيس أوباما وصفاً بليغاً للطريقة التي يحول بها القصور الذاتي أحياناً بين الولايات المتحدة وبين التخلي عن أفكار قديمة، لم تعد مناسبة للظروف الحالية. قال أوباما: «علينا ألا نسمح لأنفسنا بالبقاء أسرى للماضي، فعندما نجد أن شيئاً معيناً لم يعد يعمل، فنحن نستطيع تغييره، بل ينبغي العمل على تغييره». كان أوباما يتحدث عن كوبا، لكن عليه أن يطبق فحوى هذه العبارات على السياسة الأميركية تجاه الصين. بينما تستقبل واشنطن الرئيس الصيني «شي جين بينج»، يبدو التفكير الأميركي تجاه الصين مرتبطاً بمفاهيم جرى تطويرها في سبعينيات القرن الماضي؛ رغم أن الصين قد تطورت منذ ذلك الوقت، وبطرق لم يكن هناك سوى القليلين في واشنطن يتوقعونها. فالصين أصبحت أكثر وثوقاً بنفسها في الخارج، وأكثر تشدداً في الداخل، وأكثر بارجماتية في ممارساتها التجارية.. مما كان أحد يتوقع قبل عقدين من الزمان. وبينما تتحرك الصين في اتجاهات جديدة، فإننا في الولايات المتحدة نستخدم نفس التركيبة الذهنية التي كنا نتعامل بها معها في الماضي، والتي تعود إلى أيام سياسة «الانفتاح» التي تبناها ريتشارد نيكسون عام 1972. وفي الواقع هناك عدة فخاخ فكرية تقف في طريق تطوير مقاربات جديدة للتعامل مع الصين. الأول هو مفهوم «الاشتباك» الذي أصبح كلمة مفتاحية للمقاربة التصالحية في التعامل مع الصين، وكان مفهوماً يتعلق أساساً بطريقة التعامل معها بعد مذبحة ميدان «تيانانمين» عام 1989 ومعناه في ذلك الوقت إجراء اللقاءات مع القادة الصينيين بهدف تغيير موقفهم. لكن هذا الشعار فقد معناه الآن. بعد ذلك هناك الدعوات المتكررة لتعامل الولايات المتحدة مع الصين كدولتين عظميين ينبغي أن تتوصلا إلى تسويات استراتيجية تسمح لهما معا بتولي مهمة المرشد لأمور العالم. هذه الفكرة اكتسبت نجاعة خلال الأزمة المالية عندما بدت الصين كأقوى شريك للولايات المتحدة. ومؤخراً كرر الرئيس الصيني مقترحه لـ«نمط جديد لعلاقات القوى العظمى»، وهو ما يبدو تنويعاً على نفس الدعوات القديمة. لكن مثل هذه الصياغات، تتغاضى عن حقائق أكبر تتعلق بكونها تعني ضمناً التهوين من شأن مصالح حلفاء الولايات المتحدة الآخرين، مثل اليابان والهند وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي، وغيرهم من الذين سيشعرون بأهم باتوا مهددين نتيجة لهذه المقاربة بين الدولتين. هناك أيضا فروقات جوهرية في القيم والنظم السياسية بين الولايات المتحدة والصين، وهو أمر معروف. مع ذلك، تبقى الحقيقة الجوهرية، وهي أن التوافق بين الولايات المتحدة والصين خلال المرحلة الأخيرة من الحرب الباردة، لم يعد موجوداً الآن، وأن رغبة المجتمع التجاري الأميركي في التجارة والاستثمار في الصين، قد تغيرت أيضاً. فحالياً يأتي رؤساء الشركات الأميركية الكبرى للبيت الأبيض ليس للحصول على مساعدته في توسيع نطاق التجارة مع الصين، بل لحثه على الصرامة في التعامل معها بشأن موضوعات الملكية الفكرية والسرقات عبر الإنترنت. من المؤكد أنه ستبرز خلال السنوات القلية القادمة سياسة أميركية جديدة تجاه الصين، وإن على نحو تدريجي، ومن القمة إلى القاعدة. هناك بعض المفاهيم البسيطة التي يمكن إعادتها مرة أخرى لدائرة التعامل؛ ومنها أن الصين يجب أن تعامل بنفس القواعد التي تعامل بها الدول الأخرى؛ ومنها أيضاً فكرة المعاملة بالمثل. خلاصة القول أنه علينا تطوير مقاربة عملية في التعامل مع الصين، مع التخلي عن وهم أن بعض السياسات القائمة على الجهد الشخصي، أو إصدار بيانات مشتركة، ستعيد العلاقة الخاصة التي كانت قائمة بين البلدين في الماضي. -------------------- *زميل بمدرسة الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز ------------------------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»