أليكسيس تسيبراس فاز في الانتخابات اليونانية الأخيرة التي أجريت يوم الأحد الماضي، لكن لو كان هو الخاسر، فإنه سيتم تذكره باعتباره السياسي الفاشل بدرجة رهيبة. كان فوز حزب «سيريزا» بزعامة «تسيبراس» في الانتخابات الوطنية التي أجريت في شهر يناير، ينظر إليه من قبل بعض المعلقين باعتباره بداية لعودة «يسارية» يمكنها أن تجتاح أوروبا. وقد شهد اليسار الراديكالي تراجعاً منذ أواخر ثمانينات القرن الـ 20 ووهنت عزيمته بسبب انهيار المشروع الشيوعي في الاتحاد السوفييتي والدول التابعة له. ومع ظهور الأزمة المالية عام 2008 والمشاعر المعادية للرأسمالية التي ولدتها، انتعشت الحركات في أماكن أخرى: ففي جميع أنحاء أوروبا، أحرز الأداء الانتخابي للأحزاب «اليسارية» المتشددة تحسناً متواضعاً، كما أشار «لوك مارتش»، الأستاذ بجامعة أدنبرة، في مقال له في وقت سابق من هذا العام. بالنسبة للبعض، بدا انتصار «سيريزا» مثل اختراق حاسم. وإذا تمكن «تسيبراس» من إعادة إجراءات التقشف في اليونان واستطاع خفض الديون، لتمكن حلفاؤه في أماكن أخرى – لا سيما في جنوب أوروبا – من اللحاق به. لقد كانت مباراة عالية المخاطر، على الرغم من ذلك. وكتب «مارتش»، متنبئاً: من ناحية أخرى، إذا كانت دول الاتحاد الأوروبي تلعب لعبة قاسية تؤدي إلى خروج اليونان من منطقة «اليورو»، أو أن ينتهي الأمر بـ «سيريزا» بالاستسلام لمطالب الاتحاد الأوروبي، فإن هذا يخاطر بإضعاف كل الإنجازات التي أحرزها «سيريزا» تقريباً حتى الآن، وتعزيز وجهة النظر السائدة لليسار الراديكالي باعتباره منبوذاً اقتصادياً. بيد أن اليمين الراديكالي ربما يكون المستفيد الرئيسي، على الأقل في اليونان نفسها. هذا ما يحدث الآن. في حين أن تسيبراس يحقق نجاحاً، ويدفع القادة الأوروبيين للتوصل لاتفاق لإعادة هيكلة الديون، ويقاوم إملاءات الدائنين الدوليين، قام حلفاؤه في إسبانيا – حزب بوديموس - بتحدي حزب الشعب الحاكم (يمين وسط) في الانتخابات الوطنية التي أجريت في ديسمبر، وحلوا محل حزب العمال الاشتراكي الإسباني (يسار وسط). وفي البرتغال التي ستشهد انتخابات في شهر أكتوبر، لم يكن هناك قوة مماثلة، لكن حزب «ليفر» الذي تأسس عام 2014 على أساس برنامج «يساري» متشدد ومضاد للتقشف يتماشى مع برنامج «سيريزا»، كان يأمل في إحراز بعض التقدم. ثم رفض قادة الاتحاد الأوروبي تكتيكات «تسيبراس» الاحتجاجية، ورفضوا تقديم الدعم ما لم يرضخ «تسيبراس» ويجبر حكومته على إدخال ضوابط لرأس المال في شهر يوليو. وكان مسموح لليونانيين سحب 60 يورو (68 دولاراً) فقط من ماكينات الصرف الآلي. وربما لهذا السبب أيضاً، فإن الناخبين الإسبان والبرتغاليين من غير المرجح تماماً أن يحققوا انتصارات كبيرة للأحزاب اليسارية المتشددة: الآن، وبعدما فاز «تسيبراس»، وظل في منصب رئيس الوزراء، فإن عليه تشكيل ائتلاف يضم قوى سياسية أقل مثالية. وهو أيضاً يساري- وسط للغاية بالنسبة لكثير من حلفائه السابقين في «سيريزا»، الذين انشقوا عن الحزب ليشكلوا قوة سياسية جديدة، وهي الوحدة الشعبية. ولم يعد «تسيبراس» الأمل الكبير لليسار الأوروبي. وما زال بإمكان «بوديموس» أن يؤدي أداء حسناً نسبياً في انتخابات ديسمبر في إسبانيا، بيد أن أحزاب المؤسسة ستواصل السيطرة على البرلمان. وخفف الحزب «اليساري» مطالبه، أيضاً: فلم يعد يطالب بإعادة التفاوض بشأن الديون، حيث يعلم جيداً أن ذلك لن ينجح في إسبانيا أفضل مما فعل في اليونان. وستظل البرتغال، أيضاً، تحت سيطرة القوات الوسطية التقليدية. وحتى انتخاب «جيرمي كوربين» زعيماً لحزب «العمال» في بريطانيا، يبدو وكأنه صدى متأخراً لعودة «اليسار المتشدد» المتأخرة هذه. ليونيد بيرشيدسكي كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»