تجد في «تويتر» شاباً يعرّف عن نفسه على أنه طالب طب في ألمانيا، وبدلاً من أن يطلع متابعيه على تجربته في تعلّم لغتها، وبالأجواء الجامعية فيها، وباهتمامات شبابها، وبتوجهات صحافتها، وبالمعلومات التي تهمّ المسافرين إليها، وبآخر المستجدات في الطب، فإنه يخطب كأي إمام مسجد، ويعظ مثل أفضل الواعظين، وفي الوقت الذي يلتقط فيه أنفاسه، يصف ما يحدث في الشرق الأوسط، كأنه مراسل وكالة الأنباء الألمانية في المنطقة. وفي مواقع التواصل، وفي برامج الهواتف الذكية، وفي الجلسات واللقاءات، الكثير من الأحاديث تدور حول الدين، وخلافات المذاهب، والردود على الردود، والبؤر الملتهبة بالفتن، وقضايا الساعة السياسية. والكثير من الكلام أيضاً يذهب في تحليل مباريات الكرة، وتنقلات اللاعبين، وأخطاء التحكيم، أو إرسال الفيديوهات المضحكة والنكات والأحاديث التي لا تسمن ولا تغني من جوع. الإنسان في صباه وريعان شبابه لديه شغفٌ باكتشاف الحياة، ولديه فضول يريد إشباعه، ووقت يريد إشغاله، وطاقة يريد إفراغها، ومواهب يريد إبرازها، لكن اليافع في هذه المنطقة لا يجد -كلما رفع رأسه عن المقررات المدرسية- سوى روافد قليلة يمكن أن يلج منها إلى المجتمع، فيكبر معها وتكبر معه، ثم تجده بعد سنوات منخرطاً في المواعظ كخطيب مفوّه، أو الجدالات السياسية كمناضل أممي، أو تحليلات الكرة كأنه لاعب عالمي سابق، لا هواية له، ولا حب للمعرفة، ولا شغف بتطوير نفسه في التخصص الذي اختاره، كما أن الوظيفة التي يحصل عليها تكون مجرد مصدر رزق، ولا يستفيد منه المجتمع الاستفادة القصوى. لابد للمجتمع من وعّاظ يعظون، ومحللين يحللون، ودائماً هناك أشخاص يعيشون للتسلية، لكن أن يكون الوعظ والتحليل والتنكيت سمة تتسم بها أجيال بعد أجيال، فهذا ينبئ بوجود مشكلة. وأعتقد أن إحدى المعالجات تتمثل في إعداد برامج استكشافية للناشئة واليافعين، وليس تلك الرحلات المدرسية البائسة إلى متحف هنا أو حديقة هناك، والتي تكون مجرد متنفّس للطلبة. ما أعنيه هو فكرة كالتي يقوم عليها «كيدزانيا»، وهو مركز للترفيه التعليمي يمثّل فيه الأطفال الأدوار التي يحلمون أن يؤدوها مستقبلا، بأن تقوم جهة ما، بالتنسيق مع المؤسسات الحكومية والخاصة والفعاليات المختلفة، بإعداد برامج دائمة، وفي أوقات ثابتة، وعلى مدار العام، يزور فيها الأولاد برفقة ذويهم صحيفة، ومطبعة، وكواليس تصوير فيلم، واستديو إذاعة، ومحطة تلفزيون، وجمعية تعاونية، ومصنع إلكترونيات، ودار أزياء، ومصنع ملابس، ومعمل أثاث، ومشغل صياغة جواهر، ومشتل زهور، ومحطة بترول، وبرجا شاهقا، وبنكا، ومستشفى، ومركز شرطة، ومطافئ، ومحكمة، ومطارا، وحضور مناورة عسكرية، ومختبرا جنائيا، وغيرها. وألا يقتصر البرنامج على مختصٍ يتكلم إلى ما شاء الله، بل إن يمثل الأولاد الأدوار على الحقيقة ما أمكن، وأن يلمسوا الأشياء بأيديهم، وأن يتفاعلوا مع المكان، وأن يمنحوا شهادات مشاركة وهدايا تذكارية. مثل هذا البرنامج من شأنه أن يوجه اليافعين نحو مجالات الحياة المختلفة، ويخلق فيهم الشغف بالمهن والحرف والهوايات، فيصبح لدينا جيل متعدد الاهتمامات بما يخدم المجتمع في نهاية الأمر، بدلاً من أن يكون لدينا جيل يعظ ويحلل وينكت.