تعاني آسيا من مشكلة اسمها الغموض، مشكلة تضاعف من احتمالات نشوب النزاعات في كل مكان تقريباً. فأياً تكن الحلول العسكرية والدبلوماسية الأميركية التي تحملها الولايات المتحدة للمنطقة في إطار سياستها الحالية لإعادة التوازن لآسيا، إلا أنها ينبغي أن تخضع لمبدأ بسيط: قلّلوا غموض بيئة تعاني أصلاً مما يكفي من العتمة، أو على الأقل لا تتسببوا في زيادته. ومن المعلوم أن الثقة بين الدول الآسيوية غائبة تاريخياً، في حين أن النزاعات بينها حاضرة دائماً. وعلاوة على ذلك، يُعتبر تحديث الجيش موضوعاً متكرراً حتى في أفقر الحكومات الآسيوية، والإنفاق العسكري في الكثير من الحالات آخذ في الازدياد. وتتسبب بنية البيئة الأمنية الإقليمية الحالية بالنسبة للدول الآسيوية في إعاقة التعاون، وتفاقم حالة سوء التفاهم السياسي، واستدعاء الحوادث العسكرية، وخلق غطاء لأشكال خفية من الإكراه من قبل دول انتهازية أو توسعية. وفي كل هذه المشاكل يلعب الغموض دوراً أساسياً، سواء في الأزمة الصغيرة التي اندلعت الشهر الماضي بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، أو في إسراع المقاتلات اليابانية لحماية المجال الجوي لجزر سينكامو، أو في التحديات الصينية العديدة للوضع القائم في بحر جنوب الصين. وبشكل عام، يمكن القول إن هناك على الأقل نوعان من الغموض. الأول غموض عملياتي. فأين يوجد موقع القوات، وماذا تفعل، وما هي الرسالة التي تحاول أن تبعث بها. كلها أمور تكون في أحيان كثيرة محل تساؤل، وهو ما يجعل صناع القرار يضطرون لاتخاذ قرارات بناء على معلومات غير مكتملة: فهل تلك طائرة استطلاعية أم مسلحة؟ وهل تعترض الصين السفن الفلبينية بواسطة سفينة تابعة لخفر السواحل أم سفينة تابعة لبحرية «جيش التحرير الشعبي»؟ وهل جهاز رادارها يوشك على إطلاق النار أم أنه يقوم فقط بإرسال إشارة تحذيرية؟ أما النوع الآخر من الغموض، فهو استراتيجي. ذلك أن النوايا المتعلقة باتخاذ الآخرين للقرارات كثيراً ما تكون غير واضحة: فهل تقوم كوريا الشمالية بتطوير أسلحة نووية في إطار استراتيجية أكيدة للرد؟ وهل الصين دولة مستعدة لاستعمال القوة العسكرية لتغيير الوضع القائم في المنطقة؟ هذان النوعان مترابطان على اعتبار أن تقليل أو تبديد الغموض بشأن المستوى العملياتي يمكنه أيضاً أن يقلله بشأن المستوى الاستراتيجي. وبالتالي، فالحل بالنسبة لمشكلة الغموض هو الشفافية. وبشكل عام، تعتبر تدابير الشفافية مفيدة للولايات المتحدة والاستقرار الإقليمي من عدة نواح. فأولاً، المغامرات العسكرية والاعتداء الصريح لديهما فرص أقل للحدوث والازدهار في بيئة أكثر شفافية، ذلك أن حتى كوريا الشمالية لا ترغب في أن يُنظر إليها على أنها معتدية، وتميل إلى ضبط سلوكها الاستفزازي على نحو يسمح لها بتبني إطار دفاعي لتأويل أفعالها. ثانياً، إذا افترضنا أن لا أحد يسعى وراء النزاعات- وهو موضوع قابل للنقاش في حد ذاته- فإن معظم الطرق التي يمكن أن تفضي للنزاعات تنطوي جميعها على أحكام وقرارات مبنية على معلومات غير دقيقة أو سوء تقدير. ثالثاً، حتى إذا أظهرت تدابير الشفافية أن دولة ما عدوانية، فإن رؤية موحدة لما يحدث وأين ومتى قد تسهّل تطابق تصورات الجيران للتهديد مع مرور الوقت، الأمر الذي سيسهّل على الدول الساعية للأمن التوحد ضد العدوان، وإنْ كان ذلك من الناحية الدبلوماسية فقط. إن السؤال الذي يواجه صناع القرار هو بكل بساطة كيف نجعل آسيا أكثر شفافية من الناحيتين العملياتية والاستراتيجية، ومتى ينبغي القيام باستثناءات. وفي هذا الصدد، يمكن القول إن بعض المبادرات الخاصة التي تستعمل صور الأقمار الصناعية (مثل «38 نورث» و«مبادرة الشفافية البحرية الآسيوية») تساهم في دفع المنطقة في الاتجاه الصحيح. وكذلك تفعل «الاستراتيجية الأمنية البحرية لمنطقة آسيا– المحيط الهادي» التي أتت بها وزارة الدفاع الأميركية مؤخرا، والتي تركز على زيادة الوعي بالمجال البحري بين حلفاء الولايات المتحدة وشركائها. إن الشفافية ليست حلاً سحرياً لكل المشكلات، والغموض لا يعني دائماً حالة عدم اليقين، وهي مشكلة مزعجة في العلاقات الدولية بشكل خاص. والأكيد أن الكيفية التي تتعامل بها الولايات المتحدة وآخرون مع مهمة تقليص الغموض الإقليمي مهمة، وتدابير الشفافية الأميركية الأحادية بدون معاملة بالمثل قد تجعل الولايات المتحدة بكل بساطة أكثر هشاشة بدون تغيير البيئة الإقليمية. فان جاكسون باحث وأكاديمي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»