عندما نجح «مالكولم ترنبل» في تحدي «توني آبوت» على زعامة الحزب «الليبرالي» الحاكم، أصبح خامسَ رئيس للوزراء في أستراليا يصل لهذا المنصب في ظرف خمس سنوات، وقد أضحى تغير الزعامة في الحياة السياسية الأسترالية جد متكرر لدرجة أن وكالات الأنباء الرئيسية عبر العالم باتت تصف أستراليا بـ«عاصمة الانقلابات في العالم»، ومنصب رئاسة الوزراء فيها بـ«الباب الدوار»، وهذا التحدي الأخير بـ«حادثة سير على الطرق السريع في يوم صحو»، فماذا يحدث في أستراليا بالضبط؟ معلقو وسائل الإعلام يميلون إلى تفسير تغير الزعامة باعتباره نتيجة للطموح الفردي ومحاولة الأحزاب السياسية الفوز في الانتخابات، والحال أن السياسيين طموحون في كل البلدان، وكل الأحزاب السياسية تطمح للفوز في الانتخابات، وعليه، فما الذي يجعل أستراليا، وهي الدولة الديمقراطية المتقدمة ذات الاقتصاد المستقر، بلداً من الصعب جداً على الزعماء فيه الحفاظ على مناصبهم؟ في إطار مشروع دولي يديره «جون بونوا» و«ويليام كروس»، قمتُ بدراسة كيفية اختيار الأحزاب السياسية لزعمائها، وكيف تغيّر هذا على مدى نصف القرن الماضي، وأعتقد أن نتائج هذه الدراسة ستساعدنا على فهم تقلب الزعامة الذي رأيناه في أستراليا الأسبوع الماضي. الدراسة شملت زعماء كل الأحزاب، وليس رؤساء الوزراء فقط. ومعلوم أن الجمهور يُبدي اهتماماً أكبر عندما يكون الزعيم المخلوع أيضاً مسؤولاً عن الحكومة، غير أنه وفق القانون الأسترالي فإن رئيس الوزراء لا يحظى بمعاملة خاصة، فهو رئيس الوزراء فقط لأنه يتزعم الحزب الحاصل على أغلبية المقاعد في البرلمان. وإذا فقدَ دعم أعضاء الحزب الممثلين في البرلمان، تصبح زعامة الحزب (ورئاسة الوزراء) متاحة للتنافس. ومن بين النتائج المثيرة للاهتمام في البحث الذي أنجزته هي أن تحديات الزعامة الوطنية أصبحت أكثر شيوعاً. وهذا يعني أن فترة زعامة زعماء الأحزاب أصبحت أقصر مما كانت عليه. ففي الستينات، كان متوسط فترة وجود زعيم حزب أسترالي في السلطة هي 10 سنوات، وبحلول الثمانينات، انخفضت إلى أربع سنوات. ثم ازدادت انخفاضاً خلال الفترة ما بين 2000 و2012 إلى أقل من عامين ونصف العام. وقد يكون مرد ذلك إلى أن الفصائل (وهي تجمعات أو تيارات داخلية منظمة) باتت أهم وأقوى مما كانت عليه. ففي الحياة السياسية الأسترالية، لا تعكس هذه الفصائل الاختلافات السياسية والأيديولوجية داخل الأحزاب السياسية فحسب، ولكنها تساعد أيضاً على توزيع مناصب الزعامة. إن الفرق الكبير بين أستراليا وبلدان ديمقراطية أخرى هو في كيفية اختيار زعماء الأحزاب، فالأحزاب السياسية في البلدان الديمقراطية أخذت تنتقل تدريجياً نحو اختيار زعمائها بطريقة أكثر استيعاباً للجميع. وفي هذا الصدد، أظهر «بيلي» و«كروس» أن 80 في المئة من الأحزاب التي غطتها الدراسة اختارت زعيمها إما عبر تصويت مندوبي الحزب المنتخبين (51 في المئة)، أو تصويت كل أعضاء الحزب (27 في المئة)، أو انتخابات تمهيدية مفتوحة في وجه الجميع (3 في المئة). وبالمقابل، يتم اختيار وتنحية زعماء الأحزاب السياسية الأسترالية تاريخياً من قبل أعضاء الحزب المنتخبين في البرلمان. وهذا مازال هو واقع الحال بالنسبة لثلاثة أحزاب رئيسية في أستراليا – الحزب «الليبرالي»، و«الحزب الوطني»، و«حزب الخضر»، وقد كانت تلك طريقة الاختيار الوحيدة في حزب «العمال الأسترالي» – حتى 2012. (فوفق الإصلاحات التي أدخلها رئيس الوزراء السابق كيفن رود، والتي كانت تروم «دعم» زعامته، يمكن لكتلة حزب العمال في البرلمان الآن منح أعضاء الحزب العاديين نصيب 50 في المئة في التصويت على زعيم الحزب). والواقع أن السماح لكتلة الحزب في البرلمان بانتخاب الزعيم يمنح الأحزاب مرونة لتنحية زعمائها في أي وقت، وتعيين زعماء جدد بسرعة. ولأن معظم جهود حشد الدعم تتم في الكواليس، فإن سباقات الزعامة في أستراليا لا تستغرق في العادة أكثر من بضع ساعات، وهذا يتباين جداً مع انتخابات الزعامة في حزب «العمال» البريطاني الأخيرة التي انتخبت «جيرمي كوربن»، والتي استغرق تنظيمها أكثر من أربعة أشهر. أنيكا جوجا ـ ـ ــ ـ ـ ـ محاضرة بقسم العلاقات الدولية بجامعة سيدني ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»