لا يخفى على أحد، سواء كان من الأطباء والمتخصصين أو من عامة الناس، حجم وفداحة الوباء العالمي من داء السكري، الذي يقدر أنه يصيب حالياً حوالي 400 مليون شخص حول العالم، حسب إحصائيات عام 2013، ويتسبب في وفاة قرابة الخمسة ملايين سنوياً، حسب تقديرات الاتحاد الدولي للسكري (International Diabetes Federation)، ما يجعل السكري من الأسباب الرئيسة، للإعاقات والوفيات بين أفراد الجنس البشري. كما لا يخفى على أحد أيضاً مدى انتشار استخدام منتجات التبغ، ولا فداحة الثمن الصحي والإنساني لهذه العادة القاتلة، حيث يقدر أن 1,1 مليار شخص حول العالم، يستخدمون حالياً منتجات التبغ بشكل أو بآخر، وهو ما يعادل ثلث البالغين من البشر. وبحسب منظمة الصحة العالمية، وبمرور كل ست ثوان ونصف الثانية، يلقى شخص في مكان ما من العالم حتفه، بسبب التدخين. كما تؤكد الدراسات أن الأشخاص الذين يبدؤون التدخين في سنوات المراهقة -كما هي الحال لدى 70 في المئة من المدخنين- ويستمرون في التدخين لعقدين من الزمن أو أكثر، يلقون مصرعهم في سن أصغر بخمسة وعشرين عاماً مقارنة بأقرانهم الذين لم يدخنوا بالمرة. وهذه الوفيات لا تحدث فقط من سرطان الرئة وأمراض القلب -أشهر مرضين يتسبب فيهما التدخين- بل أيضاً من كتالوج ضخم من الأمراض والعلل الأخرى، التي تصيب جسد المدخن من قمة رأسه إلى أخمص قدميه. ومؤخراً تزايد الإدراك لقوة الارتباط بين استخدام منتجات التبغ وزيادة احتمالات الإصابة بداء السكري من النوع الثاني، الذي يشكل 90 في المئة من مجمل حالات الإصابة بالسكري. وهذا الارتباط أكدته مؤخراً دراسة نشرت في العدد الأخير من إحدى الدوريات الطبية المرموقة والمتخصصة في أمراض الغدد الصماء والسكري (The Lancet Diabetes & Endocrinology)، التي أظهرت نتائجها أن التوقف عن التدخين يقلل على المدى الطويل من احتمالات الإصابة بداء السكري. وتوصل القائمون على هذه الدراسة إلى تلك النتيجة، من خلال مقارنة وتحليل بيانات ونتائج 88 دراسة سابقة، شملت ستة ملايين شخص، وبحثت جميعها في العلاقة بين التدخين والسكري. وخلص الباحثون من خلال مراجعة نتائج جميع تلك الدراسات السابقة، إلى أن احتمالات الإصابة بالسكري بين المدخنين الحاليين، تصل إلى 1,4 مقدار احتمالات الإصابة بين غير المدخنين. وعلى رغم أن التوقف عن التدخين يرفع من هذه الاحتمالات إلى 1,5 ضعف على المدى القصير ولبضعة أعوام، إلا أن الاستمرار في الامتناع عن التدخين يخفض هذه الاحتمالات إلى 1,2 ضعف فقط، بعد مرور خمس سنوات. ومثل هذه النتائج إذا ثبتت وأكدت من خلال المزيد من الدراسات والأبحاث، قد يكون لها وقع وأثر كبير على الجهود الدولية الرامية لخفض حجم وانتشار الوباء العالمي الحالي من السكري. وحتى قبل أن تثبت هذه العلاقة بشكل مؤكد ونهائي، يطالب البعض بضرورة أن يخبر الأطباء مرضاهم باحتمال وجود هذه العلاقة، وأن يشيروا إلى أن التدخين ليس فقط عامل خطر رئيساً خلف الإصابة بأمراض القلب والشرايين، وإنما قد يكون أيضاً عامل خطر ثانوياً خلف الإصابة بالسكري، حيث يقدر البعض مبدئياً، أن التدخين قد يكون السبب خلف 12 في المئة من حالات الإصابة بالسكري بين الذكور، و2 في المئة من حالات الإصابة بالسكري بين الإناث، وهي التقديرات التي قد تكون حقيقية إذا ما ثبتت العلاقة بينهما بشكل قطعي. ومما يزيد الموقف سوءاً، أنه في الوقت الذي يعتبر فيه التدخين أحد أبلغ عوامل الخطر خلف الإصابة بأمراض القلب والشرايين، نجد أن داء السكري هو أيضاً أحد أشد عوامل الخطر خلف الإصابة بهذه النوعية من الأمراض التي تحتل حالياً المرتبة الأولى على قائمة أسباب الوفيات بين أفراد الجنس البشري. وهو ما يعني أن المدخن، المصاب بالسكري، يعرض قلبه وشرايينه، لهجوم مزدوج من تحالف غير مقدس، بين التدخين والسكري، ما يجعل احتمالات وفاته بأمراض القلب والشرايين أعلى بكثير من احتمالات الشخص المدخن فقط أو المريض بداء السكري فحسب. ولذا، ربما كانت أهم خطوة يمكن للمريض بالسكري أن يتخذها، للحفاظ على حياته، ولتجنب المضاعفات والإعاقات الناتجة عن مرضه، هي الامتناع عن التدخين. كما أنه من المنطقي والبديهي، وبالنظر لكتالوج الأمراض والعلل الناتجة عن التدخين، أهمية التوقف والامتناع عن التدخين، حتى وإنْ لم يكن الشخص المدخن مصاباً بالسكري.