لا شك أن كل معلق سياسي في أميركا تقريباً كتب مقالاً واحداً على الأقل يحاول أن يفسر فيه لغز جاذبية دونالد ترامب، الذي يطمح للحصول على ترشيح الحزب «الجمهوري» للانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة. معظم هؤلاء المعلقين ركزوا على سلوك الرجل وموهبته في اجتذاب التغطية الإعلامية وازدرائه بالنخب الحزبية والمثقفة، غير أن الشيء الذي أجده مميزاَ أكثر من غيره لدى «ترامب» – وربما يمثل عنصراً من عناصر نجاحه حتى الآن – هو بنية لغته. فالجميع يشعر بأن «ترامب» لا يتكلم مثل بقية السياسيين. ولكن كيف يختلف خطابه عن خطابات الآخرين بالضبط؟ وهل الاختلاف يقتصر فقط على نبرته المنتقدة والمختالة ولكنته المميزة؟ الواقع أن «ترامب» يبدو منفعلاً ومنخرطاً عاطفياً على نحو مختلف مقارنة مع كل منافسيه، فهو دائماً منزعج – مستاء لأن الأمور ليست كما يفترض أن تكون - ولكنه في الوقت نفسه لا يعدم روح الفكاهة ليسخر منها. ولكي نفهم ما يجعل لغة «ترامب» مختلفة، لنلق نظرة على شكل جمله. إنها مختلفة عن الخطابات السياسية المعاصرة، وينطبق عليها جيداً وصف «خير الكلام ما قل ودل». فهي قصيرة (أحياناً قصيرة جداً)، والكلمات الأهم فيها تترك للآخر. وهذا أمر نادر بين السياسيين المعاصرين، ليس فقط لأنهم يفتقرون لسلوك ترامب الاستعراضي أو موهبته الفكاهية، ولكن أيضاً لأن معظم السياسيين المعاصرين الناجحين حذرون عادة بخصوص لغتهم، وذلك لأنهم واعون تمام الوعي بالتأويلات التي قد تؤول بها أي كلمة يتلفظون بها من قبل الصحافيين والمنظمات الحزبية والناخبين والسكان. بالمقابل، لا يبذل «ترامب» جهداً – أو يبدو أنه لا يبذل جهداً – لقياس تأثير تصريحاته على مختلف الكتل الناخبة، ويبدو حقاً غير منشغل وغير واع باحتمال أن يحاول أحد ما تقليها وتشريحها وإبراز عيوبها، ولا يحاول «حماية» تصريحاته أو صياغتها بطريقة تجعل الدفاع عنها ممكناً على الأقل، وهذا ما يجعل المرء يشعر بأنه لا يستمع إلى سياسي. والنتيجة، بالنسبة للأغلبية الساحقة من الناس الذين يتابعون السياسة ربما، مضحكة حيناً ومخيفة حيناً آخر. ولكن بالنسبة للأشخاص الذي ضاقوا ذرعاً بالسياسيين الذين يستعملون لغة غامضة وفضفاضة لإغراء مستمعيهم وإبهارهم، والحفاظ على كل خياراتهم، وتجنب الانتقادات، يبدو «ترامب» واضحاً وصريحاً، وإن كنتُ لا أتفق معهم ولا أشاطرهم هذا الرأي، فإنني أجد أنه من الصعب أن نلومهم. ـ ــ ـ ـ ــ بارتون سوايم ـ ــ ـ ــ ـ كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»