ثلاثة أيام من الخطب في مجلس الشيوخ وتصويت يوم الخميس بشأن الاتفاق النووي الإيراني، كل ذلك قدم أمثلة متنوعة على الأسباب التي جعلت 64% من البالغين يعتقدون أن النظام السياسي الأميركي يعاني اختلالاً وظيفياً، فيما يرى 72% أن معظم رجال السياسة لا يمكن الوثوق بهم، بحسب استطلاع جديد أجرته «واشنطن بوست» وشبكة «إيه بي سي نيوز». وكان الأمر كله تمثيلية، بمعنى أن كل ما حدث كان للاستعراض لا أكثر. ويكفي القول هنا إنه عندما يتقاسم المؤيدون والمعارضون الساعات كي يعرض كل طرف ما يعتبره حقائق من دون التفاعل بين الطرفين، فإن هذا لا يمكن أن يسمى نقاشاً جداً، بمعنى الكلمة. وفي الواقع، فإن الجدل الحقيقي الوحيد في مجلس الشيوخ كان تحديداً بشأن ما سيصوِّت المجلس عليه، ومن هنا يأتي الاعتقاد بأن هناك خللاً في حياتنا السياسية. وفي 14 يوليو، وهو اليوم الذي تم فيه توقيع الاتفاق في فيينا من قبل الولايات المتحدة، وشركائها الخمسة في التفاوض، من جهة، وإيران من جهة أخرى، صرح الرئيس أوباما محذراً: «سأعترض على أي تشريع من شأنه منع التنفيذ الناجح لهذا الاتفاق». ومع ذلك قيل إن البيت الأبيض يفضل تجنب الاضطرار إلى اتخاذ هذه الخطوة. وفي يوم الخميس -قبل بدء النقاش- أصبح من الواضح أن الديموقراطيين لديهم 42 صوتاً في مجلس الشيوخ ممن يؤيدون هذا الاتفاق المثير للجدل. وقد وفر هذا لزعيم الأقلية في مجلس الشيوخ «هاري ريد» (ديموقراطي) ما يكفي من الأصوات ليس فقط لمنع الجمهوريين من إبطال «الفيتو» الرئاسي، بل للسماح أيضاً للديموقراطيين باستخدام تلك القاعدة في مجلس الشيوخ التي تتطلب 60 صوتاً لمنع التعطيل، إذا ما أرادوا الاستمرار في مناقشة الاتفاق النووي ومنع إجراء تصويت بـ«نعم» أو «لا». وعلى رغم ذلك، أعلن «ريد» على الفور أن الديموقراطيين لا يريدون التعطيل، حيث إنه كان هناك بالفعل فهم بأن التصويت سيتم إجراؤه يوم الخميس. وعرض «ريد» على منصة مجلس الشيوخ قراراً بأن يكون التصويت بـ«نعم» أو «لا» على قرار تم تقديمه بالفعل بعدم الموافقة على الاتفاق الإيراني ولكنه يتطلب 60 صوتاً لتمريره. وهناك وقائع سابقة لطلب الحصول على أغلبية بـ60 صوتاً لمثل هذه الإجراءات التي تتعلق بالأمن القومي. وقد حدث هذا، على سبيل المثال، مع تشريع حول إجراء مثير للجدل بشأن مراقبة الاستخبارات الأجنبية. وبدوره اقترح زعيم الأغلبية «ميتش ماكونيل» (جمهوري) أن يتم إجراء التصويت، ولكن من دون الإشارة إلى الـ60 صوتاً المطلوبة لاعتماده. وقد اعترض «ريد» وبذلك حال دون حاجة أوباما للاعتراض على قرار مشترك من مجلسي الشيوخ والنواب بعدم الموافقة على الاتفاق مع إيران، الذي تم تمريره مع معرفة الكونجرس أنه لن يبطل حق النقض. وقدم «ماكونيل» بدلاً من ذلك اقتراحاً بوقف النقاش، الأمر الذي ينهي الجدل ويتطلب تصويتاً حول قرار بعدم الموافقة على الاتفاق مع إيران. وهذه المناورة البرلمانية أعطت الجمهوريين نقطة أخرى للنقاش، حيث يمكنهم اتهام الديموقراطيين بأنهم يريدون تعطيل قرار الرفض من أجل منع تصويت بالموافقة أو الرفض عليه. وعندما أجرِيَ تصويت بإغلاق باب النقاش، حصل على تأييد 58 صوتاً، أي أقل بصوتين من الـ60 صوتاً اللازمة لوقف النقاش. ومن المقرر إجراء تصويت آخر بشأنه، ولكن من المتوقع أن ينتهي أيضاً بنفس النتائج. وفي النهاية، من المرجح ألا يصوت مجلس الشيوخ مباشرة على الموافقة أو عدم الموافقة على الاتفاق، ويمكن للجمهوريين والديموقراطيين حينها توجيه اللوم بعضهم لبعض بسبب النتيجة المربكة. وبالنسبة لخطب مجلس الشيوخ حول جوهر الاتفاق، فربما تكون قد غذت الرأي السائد، كما تبين من الاستطلاع، بأن السياسيين في أميركا لا يمكن الوثوق بهم. وفي مجلس الشيوخ، قال النائب الجمهوري «جون كورنين» إن «المرشد الأعلى علي خامنئي أكد أن البرلمان الإيراني سيكون له القول الفصل بشأن هذا الاتفاق في إيران، وإنني أتساءل كيف يمنع سيناتور تصويتاً بالموافقة أو الرفض في مجلس الشيوخ، في حين أن البرلمان الإيراني ستكون له القدرة على إجراء مثل هذا التصويت»؟ وفي الواقع، فقد قال خامنئي «ليست لديَّ أي توصيات للمجلس (البرلمان الإيراني) بشأن كيفية فحص (الاتفاق)، أو ما إذا كان يؤيده أو يرفضه»، وحتى الآن لم يفعل المجلس شيئاً من هذا القبيل. ------------- محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»